اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

قوله : { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ } أي : شك " مِمَّا يعبدُ هؤلاءِ " لما شرح أقاصيص عبدة الأوثان ، وأتبعه بأحوال الأشقياء ، وأحوال السعداء شرح للرسول - عليه الصلاة والسلام- أحوال الكفار من قومه ، فقال : " فلا تَكُ في مريةٍ ممَّا يعبدُ هؤلاءِ " وحذف النون ؛ لكثرة الاستعمال ؛ ولأنَّ النون إذا وقعت طرف الكلام ، لم يبق عند التلفظ به إلا مجرّد الغنَة ، فلا جرم أسقطوه و " ما " في " مِمَّا يعبُدُونَ " و " مِمَّا يعبدُ آباؤنَا " مصدرية ، ويجوز أن تكون الأولى اسمية دون الثانية ، والمعنى أنَّهُم ضلال " ما يعبدون إلاَّ كما يعبد " ، وفيه إضمار ، أي : كما كان يعبدُ آباؤهُمْ من قبل ، " وإنَّا لمُوفُّوهُم نَصِيبهُم " حقَّهم من الجزاء " غير منقُوص " ويحتمل أن يكون المراد أنهم ، وإن كفروا ، وأعرضوا عن الحقِّ ، فإنا موفوهم نصيبهم من الرِّزق والخيرات الدنيويَّة ، ويحتمل أن يكون المراد : إنَّا لموفُّوهم نصيبهم من إزاحة العذر وإظهار الدلائل وإرسال الرسُل وإنزال الكتب .

قوله " غير منقُوصٍ " حالٌ من " نَصِيبهُم " وفي ذلك احتمالان :

أحدهما : أن تكون حالاً مؤكِّدة ؛ لأن لفظ التوفية يشعرُ بعدم النقص ، فقد استفيد معناها من عاملها ، وهو شأنُ المؤكدة .

والثاني : أن تكون حالاً مبينة .

قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف نُصب " غيْر منقُوصٍ " حالاً عن النَّصيب المُوفَّى ؟ قلتُ : يجوز أن يُوفَّى ، وهو ناقصٌ ، ويوفَّى وهو كامل ؛ ألا تراك تقولُ : " وفَّيْتُه شطر حقَّه ، وثُلثَ حقِّه ، وحقِّه كاملاً وناقصاً " فظاهر هذه العبارة أنها مبنيةٌ ، إذ عاملها محتمل لمعناها ولغيره . إلا أن أبا حيَّان قال : هذه مغلطة ، إذا قال : " وفيته شطر حقِّه " فالتوفية وقعتْ في الشَّطْر ، وكذا في الثُلُث ، والمعنى : أعطيته الشطر والثلث كاملاً لم أنقصه شيئاً ، وأما قوله : " وحقِّه كاملاً وناقصاً " أما كاملا فصحيح ، وهي حال مؤكدة ؛ لأن التوفية تقتضي الإكمال ، وأما " وناقصا " فلا يقالُ لمنافاته التَّوفية . قال شهابُ الدِّين : " وفي منع الشيخ أن يقال : " وفِّيْتُه حقِّه ناقصاً " نظرٌ ، إذ هو شائعٌ في تركيبات النَّاس المعتبر قولهم ؛ لأ المراد بالتَّوفية مطلقُ التَّأدية " .