تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

وقوله تعالى : ( فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ ) تأويله ، والله أعلم : لا تكن يا محمد في شك بأن هؤلاء قد بلغوا في عبادتهم الأصنام والأوثان الحد الذي بلغ آباؤهم في عبادتهم الأصنام والأوثان ، فأهلكوا : إذ بلغوا ذلك الحد . فهؤلاء أيضا قد بلغوا ذلك المبلغ أي مبلغ الهلاك ، لكن الله برحمته وفضله أخر عنهم [ العذاب ][ ساقطة من الأصل وم ] إلى وقت .

أو يقال : إن هؤلاء قد بلغوا في العبادة لغير الله بعد نزول القرآن والحجة المبلغ الذي بلغ آباؤهم قبل نزول الحجة والبرهان في عبادتهم غير الله .

أو كان [ قوله ][ ساقطة من الأصل وم ] في قوم قد أظهروا الموافقة لهم ، وكانوا يعبدون الأصنام في السر على ما كان يعبد آباؤهم ، فقال : هؤلاء ، وإن أظهروا الموافقة لك فقد بلغوا بصنيعهم في السر مبلغ آبائهم ، والله أعلم . هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : إخبار عن قوم خاص أنه لا يؤمن أحد منهم ليجعل شغلهم بغيرهم .

والثاني : إخبار ألا يؤمن جميع قومك كما لا يؤمن قوم موسى بأجمعهم . بل قد آمن منهم فريق ، ولم يؤمن فريق ، فعلى ذلك يكون قومك .

وقوله تعالى : ( وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ ) قال بعضهم : قوله : ( وإنا لموفوهم نصيبهم ) في الدنيا من الأرزاق ، وما قدر لهم من النعم ( غير منقوص ) ولا ينقص ما قدر لهم ، أي لا يهلكون حتى يوفي لهم .

وقال قائلون : ( وإنا لموفوهم نصيبهم ) بأعمالهم غير منقوص ؛ أي لا ينقصون من أعمالهم شيئا ، ولا يزادون عليه[ في الأصل وم : عليهم ] ؛ إن كان حسنا فحسن ، وإن كان شرا فشر ؛ هو على الجزاء .

وقال بعضهم : قوله : ( وإنا لموفوهم نصيبهم ) يقول : إنا نوفي لهم حظهم من العذاب في الآخرة ( غير منقوص ) . عنهم ذلك العذاب وقوله تعالى : ( وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) إن كان التأويل في قوله : ( فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل ) على الإياس من قوم ، علم الله أنهم لا يؤمنون ، فيكون تأويله ما ذكر في آية أخرى : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفي إليهم أعمالهم )الآية[ هود : 15 ] .

وإن كان في الثاني : فهو ما ذكر في آية أخرى : ( وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم )[ هود111 ] .