الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّمَّا يَعۡبُدُ هَـٰٓؤُلَآءِۚ مَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبۡلُۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمۡ نَصِيبَهُمۡ غَيۡرَ مَنقُوصٖ} (109)

قوله تعالى : { مِّمَّا يَعْبُدُ } : " ما " / في " ممَّا يعبد " وفي " كما يَعبْدُ " مصدريةٌ . ويجوز أن تكونَ الأولى اسميةً دونَ الثانية .

قوله : { لَمُوَفُّوهُمْ } قرأ العامة بالتشديد مِنْ وفَّاه مشدداً ، وقرأ ابن محيصن " لَمُوْفُوْهم " بالتخفيف مِنْ أَوْفَى ، كقوله : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي } [ البقرة : 40 ] ، وقد تقدَّم في البقرة أنَّ فيه ثلاثَ لغات .

قوله : { غَيْرَ مَنقُوصٍ } حالٌ مِنْ " نصيبهم " ، وفي ذلك احتمالان ، أحدهما : أن تكونَ حالاً مؤكدة ، لأنَّ لفظ التوفية يُشْعر بعدم النقص ، فقد استفيد معناها مِنْ عاملها وهو شأنُ المؤكدة . والثاني : أن تكونَ حالاً مُبَيِّنة . قال الزمخشري : " فإن قلت : كيف نُصِبَ " غيرَ منقوص " حالاً عن النصيب المُوَفَّى ؟ قلت : يجوز أن يُوَفَّى وهو ناقصٌ ويوفَّى وهو كاملٌ ، ألا تَراك تقول : " وَفَّيْتُه شطرَ حَقِّه ، وثلثَ حقِّه ، وحقَّه كاملاً وناقصاً " ، فظاهر هذه العبارة أنها مبيِّنة ؛ إذ عاملُها محتملٌ لمعناها ولغيره . إلا أن الشيخ قال بعد كلامه هذا : " وهذه مَغْلَطَة ، إذا قال : " وفَّيته شطرَ حَقِّه " فالتوفيهُ وَقَعَتْ في الشطر ، وكذا في الثلث ، والمعنى : أعطيته الشطرَ والثلثَ كاملاً لم أنقصه شيئاً ، وأمَّا قوله : " وحقَّه كاملاً وناقصاً " أمَّا كاملاً فصحيح ، وهي حالٌ مؤكدة ؛ لأن التوفيةَ تقتضي الإِكمالَ ، وأمَّا " وناقصاً " فلا يقال لمنافاته التوفيه " . وفي مَنْع الشيخ أَنْ يُقال : " وَفَّيْتُه حقَّه ناقصاً " نظر ، إذ هو شائعٌ في تركيبات الناسِ المعتبرِ قولهم ؛ لأن المرادَ بالتوفية مطلقُ التَّأْدية " .