معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَن يَكۡسِبۡ خَطِيٓـَٔةً أَوۡ إِثۡمٗا ثُمَّ يَرۡمِ بِهِۦ بَرِيٓـٔٗا فَقَدِ ٱحۡتَمَلَ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (112)

قوله تعالى : { ومن يكسب خطيئة }أي : سرقة الدرع .

قوله تعالى : { أو إثماً } بيمينه الكاذبة .

قوله تعالى : { ثم يرم به } أي : يقذف بما جنى .

قوله تعالى : { بريئاً } منه وهو نسبة السرقة إلى اليهودي .

قوله تعالى : { فقد احتمل بهتاناً } البهتان : هو البهت ، وهو الكذب الذي يتحير في عظمه .

قوله تعالى : { وإثماً مبيناً } أي : ذنباً بيناً ، وقوله { ثم يرم به } ولم يقل بهما بعد ذكر الخطيئة والإثم ، رد الكناية إلى الإثم ، أو جعل الخطيئة والإثم كالشيء الواحد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن يَكۡسِبۡ خَطِيٓـَٔةً أَوۡ إِثۡمٗا ثُمَّ يَرۡمِ بِهِۦ بَرِيٓـٔٗا فَقَدِ ٱحۡتَمَلَ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (112)

105

والآية الثالثة تقرر تبعة من يكسب الخطيئة ثم يرمي بها البرى ء . . وهي الحالة المنطبقة على حالة العصابة التي يدور عليها الكلام :

( ومن يكسب خطيئة أو إثما ، ثم يرم به بريئا ، فقد احتمل بهتانا وإثما مبينًا . . )

البهتان في رميه البرى ء . والإثم في ارتكابه الذنب الذي رمى به البرى ء . . وقد احتملهما معه . وكأنما هما حمل يحمل . على طريقة التجسيم التي تبرز المعنى وتؤكده في التعبير القرآني المصور .

وبهذة القواعد الثلاث يرسم القرآن ميزان العدالة الذي يحاسب كل فرد على ما اجترح . ولا يدع المجرم يمضي ناجيا إذا ألقى جرمه على سواه . . وفي الوقت ذاته يفتح باب التوبة والمغفرة على مصراعيه ؛ ويضرب موعدا مع الله - سبحانه - في كل لحظة للتائبين المستغفرين ، الذين يطرقون الأبواب في كل حين . بل يلجونها بلا استئذان فيجدون الرحمة والغفران !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَن يَكۡسِبۡ خَطِيٓـَٔةً أَوۡ إِثۡمٗا ثُمَّ يَرۡمِ بِهِۦ بَرِيٓـٔٗا فَقَدِ ٱحۡتَمَلَ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (112)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيَئَةً أَوْ إِثْماً ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : ومن يعمل خطيئة ، وهي الذنب ، أو إثما ، وهو ما لا يحلّ من المعصية . وإنما فّرق بين الخطيئة والإثم ، لأن الخطيئة قد تكون من قبل العمد وغير العمد ، والإثم لا يكون إلا من العمد ، ففصل جلّ ثناؤه لذلك بينهما ، فقال : ومن يأت خطيئة على غير عمد منه لها ، أو إثما على عمد منه ثم يرم به بريئا ، يعني بالذي تعمده بريئا ، يعني ثم يصف ما أتى من خطئه أو إثمه الذي تعمده بريئا مما أضافه إليه ونحله إياه¹ { فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتانا وإثْما مُبِينا } يقول : فقد تحمل بفعله ذلك فرية وكذبا وإثما عظيما ، يعني وجرما عظيما على علم منه وعمد لما أتى من معصيته وذنبه .

واختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : { بَرِيئا } بعد إجماع جميعهم على أن الذي رمى البريء من الإثم الذي كان أتاه ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل . فقال بعضهم : عنى الله عزّ وجلّ بالبريء رجلاً من المسلمين يقال له لبيد بن سهل .

وقال آخرون : بل عنى رجلاً من اليهود يقال له زيد بن السمين ، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى . وممن قال كان يهوديا ، ابن سيرين .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن ابن سيرين : { ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئا } قال : يهوديا .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا بدل بن المحبر ، قال : حدثنا شعبة ، عن خالد ، عن ابن سيرين ، مثله .

وقيل : { يَرْمِ بِهِ بَرِيئا } بمعنى : ثم يرم بالإثم الذي أتى هذا الخائن من هو بريء مما رماه به ، فالهاء في قوله «به » عائدة على الإثم ، ولو جعلت كناية من ذكر الإثم والخطيئة كان جائزا ، لأن الأفعال وإن اختلفت العبارات عنها فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعل .

وأما قوله : { فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتانا وإثْما مُبِينا } فإن معناه : فقد تحمل هذا الذي رمي بما أتى من المعصية وركب من الإثم والخطيئة من هو بريء مما رماه به من ذلك بهتانا ، وهو الفرية والكذب ، وإثما مبينا ، يعني وزرا مبينا ، يعني أنه يبين عن أمر عمله وجراءته على ربه وتقدمه على خلافه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَن يَكۡسِبۡ خَطِيٓـَٔةً أَوۡ إِثۡمٗا ثُمَّ يَرۡمِ بِهِۦ بَرِيٓـٔٗا فَقَدِ ٱحۡتَمَلَ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (112)

وقوله تعالى : { خطيئة أو إثماً } ذهب بعض الناس إلى أنهما لفظان بمعنى كرر لاختلاف اللفظ ، وقال الطبري : إنما فرق بين «الخطيئة والإثم » أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد ، والإثم لا يكون إلا عن عمد ، وهذه الآية لفظها عام ، ويندرج تحت ذلك العموم وتوبيخه أهل النازلة المذكورة ، «وبريء » النازلة قيل : هو لبيد بن سهل ، وقيل : هو زيد بن السمين اليهودي ، وقيل : أبو مليل الأنصاري ، وقوله تعالى : { فقد احتمل } تشبيه ، إذ الذنوب ثقل ووزر ، فهي كالمحمولات ، و { بهتاناً } معناه : كذباً على البريء ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا قلت في أخيك ما فيه مما يكره سماعه فقد اغتبته ، فإن قلت ما ليس فيه بهته ){[4278]} ، فرمي البريء بهت له ونفس الخطيئة والإثم إثم مبين ، معصية هذا الرامي معصيتان .


[4278]:- رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن أبي هريرة، قال في "الترغيب والترهيب": روى من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة.