قيل : المراد بالخَطِيئَةِ : سَرِقَةُ الدِّرْع ، وبالإثْمِ : يَمينه الكَاذِبَة .
وقيل : الخَطِيئَةُ : الصَّغيرة ، والإثْم : الكَبِيرة .
وقيل : الخَطِيئَة : ما لا يَنْبَغِي فِعْلُه سواءً كان بالعَمْد أو بالخَطَأ ، والإثْم : ما يَحْصُل بسبب العَمْد ؛ لقوله في الَّتِي قَبْلَها : { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ } [ النساء : 111 ] فبيَّن أن الإثْم ما يَسْتَحِقُّ به العُقُوبَة .
وقيل : هُما بمَعْنَى وَاحِد ، كرر لاخْتِلاَف اللَّفْظ تَأكِيداً .
وقال الطَّبَرِيّ{[9684]} : الخَطِيئَة تكون عن عَمْد ، وعَنْ غَيْر عمد ، والإثْم لا يكون إلا عن عَمْد ، وقيل : الخَطِيئَة مَا لَمْ يُتَعَمَّد خاصَّة ؛ كالقَتْل الخَطَأ .
قوله : { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ } : في هذه الهَاءِ أقوالٌ :
أحدُها : أنها تعود على " إثماً " لأنه الأقْرب ، والمتعاطفان ب " أو " : يجُوز أن يعودَ الضَّمير على المَعْطُوف كهذه الآية ، وعلى المعطوف عليه ؛ كقوله : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا } [ الجمعة : 11 ] .
والثاني : أنها تعودُ على الكَسْبِ المدْلُول عليه بالفعل ، نحو : { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ } [ المائدة : 8 ] أي العدل .
الثالث : أنها تعودُ على أحد المذكُورَيْن الدَّالِّ عليه العَطْفُ ب " أو " فإنه في قُوَّة " ثم يَرْمِ بأحَدِ المذكُورَيْن " .
الرابع : أنَّ في الكَلاَم حَذْفاً ، والأصْل : { ومن يكسب خطيئة ثم يرم بها } ؛ وهذا كما قيل في قوله : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا } [ التوبة : 34 ] أي : يَكْنزِون الذَّهب ، ولا ينفقونه .
الخامس : أن يعُود على{[9685]} معنى الخَطِيئة ، فكأنَّه قال : ومن يَكْسِب ذَنْباً ثم يَرْم بِهِ ، وقيل : جَعَل الخَطِيئَة والإثْم كالشَّيْء الوَاحِد ، و " أو " هنا لتَفْصِيل المُبْهَمِ ، وتقدَّم له نَظَائرُ .
وقرأ مُعاذُ بن جَبَل{[9686]} : " يَكسِّبْ " بِكسْر الكاف وتَشْدِيد السِّين ، وأصْلُها : يَكْتَسِبْ ، فأدغمت تَاءُ الافْتعال في السِّين ، وكُسِرت الكافُ إتباعاً ، وهذا شَبيهٌ ب " يَخِطِّف " [ البقرة :20 ] ، وقد تقدَّم تَوْجِيههُ في البقرة ، وقرأ الزهري{[9687]} : " خَطِيَّة " بالتَّشديدِ ، وهو قياسُ تَخْفِيفها .
وقوله : { يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } أي : يقْذِفُ بما جَنَى " بَريئاً " منه كما نُسِبَتِ السَّرِقَة إلى اليَهُودِي . [ قوله ]{[9688]} : { فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً } البهتان : هو البهْت ، وهو الكَذِب الَّذي يتحيَّر{[9689]} في عِظمهِ ؛ لأنَّهُ إذا قيل للإنْسَان ، بُهت وتَحَيَّر .
رَوَى مُسْلِمٌ ، عن أبِي هُرَيْرة ، " قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم :[ أ ]{[9690]} تَدْرُون ما الغيبة ؟ قالُوا : الله ورسُولُه أعْلَم ، قال : " ذِكْرُكَ أخَاكَ بما يَكْرَهُ " . قيل : أفَرَأيْت إن كَانَ في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تَقُول ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ ، وإن لم يَكُن فِيهِ ، فقد بَهَتَّهُ " {[9691]} ؛ فرمْيُ البَرِيءِ{[9692]} بَهْتٌ له ، يقال : بَهَتَهُ بَهْتاً وَبُهْتَاناً ، إذا قَالَ عَنْه ما لم يَقُل ، وهو بَهَّاتٌ ، والمَفْعُول له : مَبْهُوتٌ ، ويُقَال : بَهِتَ الرَّجُل بالكَسْر ، إذا دُهشَ وتَحَيَّر ، وبَهُتَ بالضَّمِّ مثله ، وأفْصَحُ منها : بُهِتَ ؛ كقوله - تعالى - : { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }
[ البقرة : 258 ] لأنَّه يُقَال : رَجُل مَبْهُوتٌ ، ولا يُقَال : باهِت{[9693]} ، ولا بَهِيتٌ ؛ قال الكسائي{[9694]} ، و " إثْماً مُبِيناً " أي : ذَنباً بَيِّناً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.