معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

قوله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد } ، بالإتيان بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه . وقيل : أراد بالعهد ما يلتزمه الإنسان على نفسه . { إن العهد كان مسؤولا } ، قال السدي : كان مطلوباً . وقيل : العهد يسأل عن صاحب العهد ، فيقال : فيم نقضت ، كالمؤودة تسأل فيم قتلت ؟

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

22

وبعد أن ينتهي السياق من حرمة العرض وحرمة النفس ، يتحدث عن حرمة مال اليتيم ، وحرمة العهد .

( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ، حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) .

والإسلام يحفظ على المسلم دمه وعرضه وماله ، لقول الرسول [ ص ] " كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله " ولكنه يشدد في مال اليتيم ويبرز النهي عن مجرد قربه إلا بالتي هي أحسن . ذلك أن اليتيم ضعيف عن تدبير ماله ، ضعيف عن الذود عنه ، والجماعة الإسلامية مكلفة برعاية اليتيم وماله حتى يبلغ أشده ويرشد ويستطيع أن يدبر ماله وأن يدفع عنه .

ومما يلاحظ في هذه الأوامر والنواهي أن الأمور التي يكلف بها كل فرد بصفته الفردية جاء الأمر أو النهي فيها بصيغة المفرد ؛ أما الأمور التي تناط بالجماعة فقد جاء الأمر أوالنهي فيها بصيغة الجمع ، ففي الإحسان للوالدين وإيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل ، وعدم التبذير ، والتوسط في الإنفاق بين البخل والسرف ، وفي التثبت من الحق والنهي عن الخيلاء والكبر . . كان الأمر أو النهي بصيغة المفرد لما لها من صبغة فردية . وفي النهي عن قتل الأولاد وعن الزنا وعن قتل النفس ، والأمر برعاية مال اليتيم والوفاء بالعهد ، وإيفاء الكيل والميزان كان الأمر أو النهي بصيغة الجمع لما لها من صبغة جماعية .

ومن ثم جاء النهي عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن في صيغة الجمع ، لتكون الجماعة كلها مسؤولة عن اليتيم وماله ، فهذا عهد عليها بوصفها جماعة .

ولأن رعاية مال اليتيم عهد على الجماعة ألحق به الأمر بالوفاء بالعهد إطلاقا . ( وأفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) . . يسأل الله جل جلاله عن الوفاء به ، ويحاسب من ينكث به وينقضه .

وقد أكد الإسلام على الوفاء بالعهد وشدد . لأن هذا الوفاء مناط الاستقامة والثقة والنظافة في ضمير الفرد وفي حياة الجماعة . وقد تكرر الحديث عن الوفاء بالعهد في صور شتى في القرآن والحديث ؛ سواء في ذلك عهد الله وعهد الناس . عهد الفرد وعهد الجماعة وعهد الدولة . عهد الحاكم وعهد المحكوم . وبلغ الإسلام في واقعه التاريخي شأوا بعيدا في الوفاء بالعهود لم تبلغه البشرية إلا في ظل الإسلام .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّىَ يَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } .

يقول تعالى ذكره : وقضى أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل ، إسرافا وبدارا أن يَكْبَروا ، ولكن اقرَبوه بالفَعْلَة التي هي أحسن ، والخَلّة التي هي أجمل ، وذلك أن تتصرّفوا فيه له بالتثمير والإصلاح والحيطة . وكان قتادة يقول في ذلك ما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاّ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ لما نزلت هذه الاَية ، اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا لا يخالطونهم في طعام أو أكل ولا غيره ، فأنزل الله تبارك وتعالى وَإن تُخالِطُوهُمْ فإخْوانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ فكانت هذه لهم فيها رُخْصة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلا تَقَرْبُوا مالَ اليَتِيمِ إلاّ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب ، حتى نزلت وإنْ تُخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ . وقال ابن زيد في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلاَ تَقْرَبُوا مالَ اليتِيمِ إلاّ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ قال : الأكل بالمعروف ، أن تأكل معه إذا احتجت إليه ، كان أُبيّ يقول ذلك .

وقوله : حتى يَبْلُغَ أشُدّهُ يقول : حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل ، وتدبير ماله ، وصلاح حاله في دينه وأوْفُوا بالعَهْدِ يقول : وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام ، وفيما بينكم أيضا ، والبيوع والأشربة والإجارات ، وغير ذلك من العقود إنّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولاً يقول : إن الله جلّ ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه ، يقول : فلا تنقصوا العهود الجائزة بينكم ، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه ، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك . وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبا يقال في الكلام : ليسئلنّ فلان عهد فلان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

{ ولا تقربوا مال اليتيم } فضلا أن تتصرفوا فيه . { إلا بالتي هي أحسن } إلا بالطريقة التي هي أحسن . { حتى يبلغ أشدّه } غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء . { وأوفوا بالعهد } بما عاهدكم الله من تكاليفه ، أو ما عاهدتموه وغيره . { إن العهد كان مسئولا } مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به ، أو مسؤولا عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت ، أو يسأل العهد تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة { بأي ذنب قتلت } ، فيكون تخييلا ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا} (34)

{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }

هذا من أهم الوصايا التي أوصى الله بها في هذه الآيات ، لأن العرب في الجاهلية كانوا يستحلون أموال اليتامى لضعفهم عن التفطن لمن يأكل أموالهم وقلة نصيرهم لإيصال حقوقهم ، فحذر الله المسلمين من ذلك لإزالة ما عسى أن يبقى في نفوسهم من أثر من تلك الجاهلية . وقد تقدم القول في نظير هذه الآية في سورة الأنعام . وهذه الوصية العاشرة .

والقول في الإتيان بضمير الجماعة المخاطبين كالقول في سابِقيه لأن المنهي عنه من أحوال أهل الجاهلية .

{ وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا }

أمروا بالوفاء بالعهد . والتعريف في { العهد } للجنس المفيد للاستغراق يشمل العهد الذي عاهدوا عليه النبي ، وهو البيعة على الإيمان والنصر . وقد تقدم عند قوله تعالى : { وإوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } في سورة النحل ( 91 ) وقوله : { وبعهد الله أوفوا } في سورة الأنعام ( 152 .

وهذا التشريع من أصول حرمة الأمة في نظر الأمم والثقةِ بها للانزواء تحت سلطانها . وقد مضى القول فيه في سورة الأنعام . والجملة معطوفة على التي قبلها . وهي من عداد ما وقع بعد ( أن ) التفسيرية من قوله : { ألا تعبدوا } الآيات [ الإسراء : 23 ] . وهي الوصية الحادية عشرة .

وجملة { إن العهد كان مسؤولا } تعليل للأمر ، أي للإيجاب الذي اقتضاه ، وإعادة لفظ { العهد } في مقام إضماره للاهتمام به ، ولتكون هذه الجملة مستقلة فتسري مسرى المثل .

وحُذف متعلق { مسؤولا } لظهوره ، أي مسؤولاً عنه ، أي يسألكم الله عنه يوم القيامة .