قوله تعالى : { قال } ، لهم لوط عند ذلك : { لو أن لي بكم قوة } ، أراد قوة البدن ، أو القوة بالأتباع ، { أو آوي إلى ركن شديد } ، أي : انضم إلى عشيرة مانعة . وجواب { لو } مضمر أي لقاتلناكم وحلنا بينكم وبينهم قال أبو هريرة : ما بعث الله بعده نبيا إلا في منعة من عشيرته .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب بن أبي حمزة ، أنبأنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد " . قال ابن عباس وأهل التفسير : أغلق لوط بابه والملائكة معه في الدار ، وهو يناظرهم ويناشدهم من وراء الباب ، وهم يعالجون تسور الجدار .
وأسقط في يد لوط ، وأحس ضعفه وهو غريب بين القوم ، نازح إليهم من بعيد ، لا عشيرة له تحميه ، وليس له من قوة في هذا اليوم العصيب ؛ وانفرجت شفتاه عن كلمة حزينة أليمة :
( قال : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ! ) . .
قالها وهو يوجه كلامه إلى هؤلاء الفتية - الذين جاء الملائكة في صورتهم - وهم صغار صباح الوجوه ؛ ولكنهم - في نظره - ليسوا بأهل بأس ولا قوة . فالتفت إليهم يتمنى أن لو كانوا أهل قوة فيجد بهم قوة . أو لو كان له ركن شديد يحتمي به من ذلك التهديد !
وغاب عن لوط في كربته وشدته أنه يأوي إلى ركن شديد . ركن الله الذي لا يتخلى عن أوليائه . كما قال رسول الله [ ص ] وهو يتلو هذه الآية : " رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد " !
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ لَوْ أَنّ لِي بِكُمْ قُوّةً أَوْ آوِيَ إِلَىَ رُكْنٍ شَدِيدٍ } .
يقول تعالى ذكره : قال لوط لقومه حين أبوا إلا المضيّ لما قد جاءوا له من طلب الفاحشة وأيس من أن يستجيبوا له إلى شيء مما عرض عليهم : لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً بأنصار تنصرني عليكم وأعوان تعينني ، أوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ يقول : أو أنضمّ إلى عشيرة مانعة تمنعني منكم ، لحلت بينكم وبين ما جئتم تريدونه مني في أضيافي . وحذف جواب «لو » لدلالة الكلام عليه ، وأن معناه مفهوم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قال لوط : لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ يقول : إلى جند شديد لقاتلتكم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال : العشيرة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : إلى رُكْنٍ شَديدٍ قال : العشيرة .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن : أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال : إلى ركن من الناس .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال قوله : أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال : بلغنا أنه لم يبعث نبيّ بعد لوط إلا في ثروة من قومه حتى النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ أي عشيرة تمنعني أو شيعة تنصرني ، لحلت بينكم وبين هذا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال : يعني به العشيرة .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن : أن هذه الآية لما نزلت : لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رَحِمَ اللّهُ لُوطا ، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن مبارك ، عن الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رَحِمَ اللّهُ أخِي لُوطا ، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، فلأَيّ شَيْءٍ اسْتكانَ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبدة وعبد الرحيم ، عن محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رحَمَةُ اللّهِ على لُوطٍ إنْ كانَ لَيَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، إذْ قالَ لقَوْمِهِ لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، ما بَعَثَ اللّهُ بَعْدَه مِنْ نَبِيّ إلاّ فِي ثَرْوةٍ مِنْ قَوْمِهِ » . قال محمد : والثروة : الكثرة والمنعة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بمثله .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني سليمان بن بلال ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بمثله .
حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : حدثنا سعيد بن تليد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، قال : ثني بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب الزهري ، قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «رَحِمَ اللّهُ لُوطا ، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فذكر مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله : أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ «قَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » ، يعني الله تبارك وتعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فَمَا بَعَثَ اللّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيّ إلاّ فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن حرب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي يونس ، سمع أبا هريرة يحدّث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «رَحِمَ اللّهُ لُوطا ، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » .
قال : حدثنا ابن أبي مريم سعيد بن عبد الحكم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان كان إذا قرأ هذه الآية ، أو أتى على هذه الآية قال : «رَحِمَ اللّهُ لُوطا ، لَقَدْ كانَ ليَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » . وذُكر لنا أن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد لوط عليه السلام إلا في ثروة من قومه ، حتى بعث الله نبيكم في ثروة من قومه .
يقال : من أوى إلى رِكن شديد : أويت إليك ، فأنا آوى إليك أَوْيا بمعنى صرت إليك وانضممت ، كما قال الراجز :
يأْوِي إلى رُكْنٍ مِنَ الأرْكانِ *** فِي عَدَدٍ طَيْسٍ ومَجْدٍ بانِ
وقيل : إن لوطا لما قال هذه المقالة وجدت الرسل عليه لذلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : قال لوط : لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ فوجد عليه الرسل وقالوا : إن ركنك لشديد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.