الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ} (80)

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { قالوا لقد علمنا ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد } قال : إنما نريد الرجال { قال : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } يقول : إلى جند شديد لقاتلتكم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { أو آوي إلى ركن شديد } قال : عشيرة .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن عساكر عن قتادة رضي الله عنه { أو آوي إلى ركن شديد } قال : العشيرة .

وأخرج أبو الشيخ عن علي رضي الله عنه . أنه خطب فقال عشيرة الرجل للرجل خير من الرجل لعشيرته . أنه إن كف يداً واحدة وكفوا عنه أيدياً كثيرة مع مودتهم وحفاظتهم ونصرتهم ، حتى لربما غضب الرجل للرجل وما يعرفه إلا بحسبه وسأتلو عليكم بذلك آيات من كتاب الله تعالى ، فتلا هذه الآية { لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } قال علي رضي الله عنه : والركن الشديد : العشيرة . فلم يكن للوط عليه السلام عشيرة ، فوالذي لا إله إلا غيره ما بعث الله نبياً بعد لوط إلا في ثروة من قومه .

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله { أو آوي إلى ركن شديد } قال : بلغني أنه لم يبعث نبيّ بعد لوط إلا في ثروة من قومه حتى النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه . أن هذه الآية لما نزلت { لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « رحم الله أخي لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد فلأي شيء استكان » .

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال « ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال : رحم الله لوطاً إن كان ليأوي إلى ركن شديد ، وذكر لنا أن الله لم يبعث نبياً بعد لوط إلا في ثروة من قومه ، حتى بعث الله نبيكم صلى الله عليه وسلم في ثروة من قومه » .

وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه قال لوط عليه السلام { لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } فوجد عليه الرسل ، وقالوا : يا لوط إن ركنك لشديد .

وأخرج سعيد بن منصور وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما بعث الله نبياً بعد لوط إلا في عز من قومه .

وأخرج البخاري في الأدب والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله { أو آوي إلى ركن شديد } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « رحم الله لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد - يعني الله تعالى - فما بعث الله بعده نبياً إلا في ثروة من قومه » .

وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن مردويه من طريق الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يغفر الله للوط إنه كان ليأوي إلى ركن شديد » .

وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « رحم الله لوطاً إن كان ليأوي إلى ركن شديد » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن بشر الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الناس كانوا أنذروا قوم لوط ، فجاءتهم الملائكة عشية فمروا بناديهم فقال قوم لوط بعضهم لبعض : لا تنفروهم ولم يروا قوماً قط أحسن من الملائكة ، فلما دخلوا على لوط عليه السلام راودوه عن ضيفه ، فلم يزل بهم حتى عرض عليهم بناته ، فأبوا فقالت الملائكة { إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } قال : رسل ربي ؟ قالوا : نعم . قال لوط : فالآن كذا » .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : لما أرسلت الرسل إلى قوم لوط ليهلوكهم قيل لهم : لا تهلكوا قوم لوط حتى يشهد عليهم لوط ثلاث مرات ، وكان طريقهم على إبراهيم خليل الرحمن { فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط } وكانت مجادلته إياهم قال : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المؤمنين أتهلكونهم ؟ قالوا : لا . قال : فأربعون ؟ قالوا : لا . حتى انتهى إلى عشرة أو خمسة قال : فأتوا لوطاً وهو في أرض له يعمل فيها ، فحسبهم ضيفاناً ، فأقبل حتى أمسى إلى أهله ، فمشوا معه فالتفت إليهم فقال : ما ترون ما يصنع هؤلاء ؟ قالوا : وما يصنعون ؟ قال : ما من الناس أحد شر منهم . فمشوا معه حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فانتهى بهم إلى أهله فانطلقت عجوز السوء امرأته ، فأتت قومه فقالت : لقد تضيف لوط الليلة قوماً ما رأيت قط أحسن ولا أطيب ريحاً منهم ، فأقبلوا إليه يهرعون فدافعوه بالباب حتى كادوا يغلبون عليه . فقال ملك بجناحه فسفقه دونهم وعلا وعلوا معه ، فجعل يقول { هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله } إلى قوله { أو آوي إلى ركن شديد } فقالوا { إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } فذلك حين علم أنهم رسل الله ، وقال ملك بجناحه فما عشى تلك الليلة أحد بجناحه إلا عمي فباتوا بشر ليلة عمياً ينتظرون العذاب ، فاستأذن جبريل عليه السلام في هلاكهم فأذن له ، فاحتمل الأرض التي كانوا عليها وأهوى بها حتى سمع أهل سماء الدنيا صغاء كلابهم ، وأوقد تحتهم ناراً ثم قلبها بهم ، فسمعت امرأة لوط الوجبة وهي معهم ، فالتفتت فأصابها العذاب ، وتبعت سفارهم الحجارة .

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما جاءت رسل الله لوطاً عليه السلام ظن أنهم ضيفان لقومه ، فأدناهم حتى أقعدهم قريباً ، وجاء ببناته وهن ثلاثة فأقعدهن بين ضيفانه وبين قومه ، فجاءه قومه يهرعون إليه ، فلما رآهم قال { هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزونِ في ضيفي ، قالوا ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ، قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } فالتفت إليه جبريل عليه السلام فقال { إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } فلما دنو طمس أعينهم فانطلقوا عمياً يركب بعضهم بعضاً ، حتى إذا خرجوا إلى الذين بالباب قالوا : جئناكم من عند أسحر الناس ، ثم رفعت في جوف الليل حتى إنهم يسمعون صوت الطير في جوّ السماء ، ثم قلبت عليهم فمن أصابته الائتفاكة أهلكته ، ومن خرج منها اتبعته حيث كان حجراً فقتلته ، فارتحل ببناته حتى بلغ مكان كذا من الشام ماتت ابنته الكبرى ، فخرجت عندها عين ، ثم انطلق حيث شاء الله أن يبلغ فماتت الصغرى ، فخرجت عندها عين فما بقي منهن إلا الوسطى .