اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ} (80)

قوله : " لَوْ أنَّ " جوابها محذوفٌ تقديره : لفعلتُ بكم وصنعتُ كقوله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ } [ الرعد : 31 ] قوله : " أَوْ آوِي " يجوز أن يكون معطوفاً على المعنى ، تقديره : أو أنِّي آوي ، قاله أبُو البقاءِ ويجوزُ أن يكون معطوفاً على " قُوَّةً " ؛ لأنه منصوبٌ في الأصل بإضمارِ أن فلمَّا حذفت " أنْ " رفع الفعلُ كقوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ } [ الروم : 24 ] .

واستضعف أبو البقاءِ{[18916]} هذا الوجه بعدم نصبه . وقد تقدَّم جوابه . ويدلُّ على اعتبار ذلك قراءةُ شيبة ، وأبي جعفر : " أوْ آوِيَ " بالنصب كقوله : [ الطويل ]

ولوْلاَ رجالٌ منْ رِزَامٍ أعِزَّةٍ *** وآلُ سُبَيْعٍ أو أسُوءكَ عَلْقَمَا{[18917]}

وقولها : [ الوافر ]

للُبْسُ عَبَاءَةٍ وتقرَّ عَيْنِي *** أحَبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفُوفِ{[18918]}

ويجوز أن يكون عطف هذه الجملةِ الفعلية على مثلها إن قدَّرت أنَّ " أنَّ " مرفوعة بفعل مقدرٍ بعد " لَوْ " عند المبرد ، والتقدير : لو يستقر - أو يثبت - استقرار القوة أوْ آوي ، ويكون هذان الفعلان ماضيي المعنى ؛ لأنَّهما تقلب المضارع إلى المُضيِّ .

وأمَّا على رأي سيبويه في كون أنَّ " أنَّ " في محلِّ الابتداء ، فيكون هذا مستأنفاً .

وقيل : " أوْ " بمعنى " بل " وهذا عند الكوفيين .

و " بِكُمْ " متعلق بمحذوفٍ ؛ لأنه حالٌ من " قُوَّة " ، إذ هو في الأصلِ صفةٌ للنكرة ، ولا يجوزُ أن يتعلق ب " قُوَّةً " لأنها مصدرٌ .

والرُّكْنُ بسكون الكافِ وضمها الناحية من جبلٍ وغيره ، ويجمع على أركان وأرْكُن ؛ قال : [ الرجز ]

وَزَحْمُ رُكْنَيْكَ شَدِيدُ الأرْكُنِ{[18919]} *** . . .

فصل

المعنى : لو أنَّ لي قوة البدنِ ، أو القوَّة بالأتباع ، وتسمية موجب القوة بالقوَّة جائز قال تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل } [ الأنفال : 60 ] والمراد السلاح . { أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ } أي : موضع حصين ، وقيل : أنضم إلى عشيرةٍ مانعةٍ .

فإن قيل : كيف عطف الفعل على الاسم ؟ .

فالجوابُ قد تقدَّم .

قال أبُو هريرة - رضي الله عنه - : " ما بعث الله بعده نبيّاً إلاَّ في منعة من عشيرته " {[18920]} . " وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يَرْحَمُ اللهُ لُوطاً لقد كَانَ يَأوي إلى رُكْنٍ شديدٍ " {[18921]} .

قال ابنُ عبَّاسٍ والمفسِّرُون - رضي الله عنهم - : أغلق لوطٌ بابه ، والملائكة معه في الدَّار وهو يناظرهم ويناشدهم من وراءِ البابِ ، وهم يُعَالجُونَ سور الجدار .


[18916]:ينظر: الإملاء 2/43.
[18917]:تقدم.
[18918]:تقدم.
[18919]:البيت لرؤبة بن العجاج ينظر: ديوانه ص 146 والكتاب 3/578 ولسانه العرب (ركن) والمقرب 2/108 والدر المصون 4/118.
[18920]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/395) عن أبي هريرة وأخرجه الطبري في "تفسيره" (7/85) عن ابن جريج مثله.
[18921]:أخرجه البخاري (6/473) كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله عز وجل: ونبئهم عن ضيف إبراهيم (3372).