الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ} (80)

قوله تعالى : " قال لو أن لي بكم قوة " لما رأى استمرارهم في غيهم ، وضعف عنهم ، ولم يقدر على دفعهم ، تمنى لو وجد عونا على ردهم ، فقال على جهة التفجع والاستكانة . " لو أن لي بكم قوة " أي أنصارا وأعوانا . وقال ابن عباس : أراد الولد . و " أن " في موضع رفع بفعل مضمر ، تقديره : لو اتفق أو وقع . وهذا يطرد في " أن " التابعة ل " لو " . وجواب " لو " محذوف ، أي لرددت أهل الفساد ، وحلت بينهم وبين ما يريدون . " أو آوي إلى ركن شديد " أي ألجأ وأنضوي . وقرئ " أو آوي " بالنصب عطفا على " قوة " كأنه قال : " لو أن لي بكم قوة " أو إيواء إلى ركن شديد ؛ أي وأن آوي ، فهو منصوب بإضمار " أن " . ومراد لوط بالركن العشيرة ، والمنعة بالكثرة . وبلغ بهم قبيح فعلهم إلى قوله هذا مع علمه بما عند الله تعالى ، فيروى أن الملائكة وجدت عليه حين قال هذه الكلمات ، وقالوا : إن ركنك لشديد . وفي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ) الحديث ، وقد تقدم في " البقرة " {[8804]} . وخرجه الترمذي وزاد ( ما بعث الله بعده نبيا إلا في ثروة من قومه ) . قال محمد بن عمرو : والثروة الكثرة والمنعة ، حديث حسن . ويروى أن لوطا عليه السلام لما غلبه قومه ، وهموا بكسر الباب وهو يمسكه ، قالت له الرسل : تنح عن الباب ، فتنحى وانفتح الباب ، فضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم ، وعموا وانصرفوا على أعقابهم يقولون : النجاء ، قال الله تعالى : " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم{[8805]} " [ القمر : 37 ] . وقال ابن عباس وأهل التفسير : أغلق لوط بابه والملائكة معه في الدار ، وهو يناظر قومه ويناشدهم من وراء الباب ، وهم يعالجون تسور الجدار ، فلما رأت الملائكة ما لقي من الجهد والكرب والنصب بسببهم ، قالوا : يا لوط إن ركنك لشديد ، وأنهم آتيهم عذاب غير مردود ، وإنا رسل ربك ، فافتح الباب ودعنا وإياهم ، ففتح الباب فضربهم جبريل بجناحه على ما تقدم . وقيل : أخذ جبريل قبضة من تراب فأذراها في وجوههم ، فأوصل الله إلى عين من بعد ومن قرب من ذلك التراب فطمس أعينهم ، فلم يعرفوا طريقا ، ولا اهتدوا إلى بيوتهم ، وجعلوا يقولون : النجاء النجاء ! فإن في بيت لوط قوما هم أسحر من على وجه الأرض ، وقد سحرونا فأعموا أبصارنا . وجعلوا يقولون : يا لوط كما أنت حتى نصبح فسترى ، يتوعدونه .


[8804]:راجع ج 3 ص 298.
[8805]:راجع ج 17 ص 143.