مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ} (80)

ثم إنه تعالى حكى عن لوط أنه عند سماع هذا الكلام قال : { لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : جواب «لو » محذوف لدلالة الكلام عليه والتقدير : لمنعتكم ولبالغت في دفعكم ونظيره قوله تعالى : { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال } وقوله : { ولو ترى إذ وقفوا على النار } قال الواحدي وحذف الجواب ههنا لأن الوهم يذهب إلى أنواع كثيرة من المنع والدفع .

المسألة الثانية : { لو أن بكم قوة } أي لو أن لي ما أتقوى به عليكم وتسمية موجب القوة بالقوة جائز قال الله تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } والمراد السلاح ، وقال آخرون القدرة على دفعهم ، وقوله : { أو آوى إلى ركن شديد } المراد منه الموضع الحصين المنيع تشبيها له بالركن الشديد من الجبل .

فإن قيل : ما الوجه ههنا في عطف الفعل على الاسم ؟

قلنا : قال صاحب «الكشاف » : قرئ { أو آوى } بالنصب بإضمار أن ، كأنه قيل لو أن لي بكم قوة أو آويا .

واعلم أن قوله : { لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } لا بد من حمل كل واحد من هذين الكلامين على فائدة مستقلة ، وفيه وجوه : الأول : المراد بقوله : { لو أن لي بكم قوة } كونه بنفسه قادرا على الدفع وكونه متمكنا إما بنفسه وإما بمعاونة غيره على قهرهم وتأديبهم ، والمراد بقوله : { أو آوي إلى ركن شديد } هو أن لا يكون له قدرة على الدفع لكنه يقدر على التحصن بحصن ليأمن من شرهم بواسطته . الثالث : أنه لما شاهد سفاهة القوم وإقدامهم على سوء الأدب تمنى حصول قوة قوية على الدفع ، ثم استدرك على نفسه وقال : بلى الأولى أن آوي إلى ركن شديد وهو الاعتصام بعناية الله تعالى ، وعلى هذا التقدير فقوله : { أو آوي إلى ركن شديد } كلام منفصل عما قبله ولا تعلق له به ، وبهذا الطريق لا يلزم عطف الفعل على الاسم ، ولذلك قال النبي عليه السلام : " رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد " .