معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابٖ} (29)

قوله تعالى : { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ، ابتداء ، { طوبى لهم } خبره . واختلفوا في تفسير { طوبى } . روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : فرح لهم وقرة عين . وقال عكرمة : نعم مالهم . وقال قتادة : حسنى لهم . وقال معمر عن قتادة : هذه كلمة عربية ، يقول الرجل للرجل : طوبى لك أي أصبت خيرا . وقال إبراهيم : خير لهم وكرامة . وقال الفراء : أصله من الطيب ، والواو فيه لضمة الطاء ، وفيه لغتان ، تقول العرب : طوباك وطوبى لك أي : لهم الطيب . { وحسن مآب } أي : حسن المنقلب . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : طوبى اسم الجنة بالحبشية . قال الربيع : هو البستان بلغة الهند . وروي عن أبي أمامة وأبي هريرة أبي الدرداء قالوا : طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها . وقال عبيد بن عمير . هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد ، ولم يخلق الله تعالى فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها . تنبع من أصلها عينان : الكافور والسلسبيل . قال مقاتل : كل ورقة منها تظل أمة ، عليها ملك يسبح الله عز وجل بأنواع التسبيح . وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " . وعن معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه : " طوبى شجرة غرسها الله تعالى بيده ، ونفخ فيها من روحه ، تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة " .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زياد مولى بني مخزوم ، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها ، اقرؤوا إن شئتم : { وظل ممدود } [ الواقعة-30 ] فبلغ ذلك كعبا فقال : صدق والذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما ، إن الله تعالى غرسها بيده ونفخ فيها من روحه ، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة ، ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة . وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن الأشعث بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يقول الله عز وجل لها : تفتقي لعبدي عما شاء فتفتق له عن فرس بسرجه ولجامه ، وهيئته كما شاء ، يفتق له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء وعن الثياب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابٖ} (29)

19

هؤلاء المنيبون إلى الله ، المطمئنون بذكر الله ، يحسن الله مآبهم عنده ، كما أحسنوا الإنابة إليه وكما أحسنوا العمل في الحياة :

( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) . .

طوبى [ على وزن كبرى من طاب يطيب ] للتفخيم والتعظيم . وحسن مآب إلى الله الذي أنابوا إليه في الحياة . .