معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ} (90)

قوله تعالى : { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا } . قال قتادة والحسن : نزلت في اليهود كفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم ، ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن . وقال أبو العالية : نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لما رأوه بعد إيمانهم بنعته وصفته قي كتبهم ( ثم ازدادوا كفراً ) يعني ذنوبا في حال كفرهم . قال مجاهد : نزلت في جميع الكفار أشركوا بعد إقرارهم بأن الله خالقهم ( ثم ازدادوا كفرا ) أي أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه . قال الحسن ( ثم ازدادوا كفراً ) كلما نزلت آية كفروا بها ، فازدادوا كفراً وقيل : ( ثم ازدادوا كفراً ) بقولهم نتربص بمحمد ريب المنون . قال الكلبي : نزلت في الأحد عشر من أصحاب الحارث بن سويد ، لما رجع الحارث إلى الإسلام أقاموا هم على الكفر بمكة وقالوا : نقيم على الكفر ما بدا لنا ؟ فمتى أردنا الرجعة نزل فينا ما نزل في الحارث ، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فمن دخل منهم في الإسلام قبلت توبته ، ونزل فيمن مات منهم كافراً : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ) الآية .

فإن قيل : قد وعد الله قبول توبة من تاب فما معنى قوله :

قوله تعالى : { لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون } . قيل : لن تقبل توبتهم إذا رجعوا في حال المعاينة ، كما قال ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ) وقيل : هذا في أصحاب الحارث بن سويد حيث أعرضوا عن الإسلام ، وقالوا : نتربص بمحمد ريب المنون ، فإن ساعده الزمان نرجع إلى دينه ( لن تقبل توبتهم ) لن يقبل ذلك لأنهم متربصون غير محققين . ( وأولئك هم الضالون ) .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ} (90)

65

فأما الذين لا يتوبون ولا يثوبون . الذين يصرون على الكفر ويزدادون كفرا . والذين يلجون في هذا الكفر حتى تفلت الفرصة المتاحة ، وينتهي أمد الاختبار ، ويأتي دور الجزاء . هؤلاء وهؤلاء لا توبة لهم ولا نجاة . ولن ينفعهم أن يكونوا قد أنفقوا ملء الأرض ذهبا فيما يظنون هم أنه خير وبر ، ما دام مقطوعا عن الصلة بالله . ومن ثم فهو غير موصول به ولا خالص له بطبيعة الحال . ولن ينجيهم أن يقدموا ملء الأرض ذهبا ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة . فقد أفلتت الفرصة وأغلقت الأبواب :

( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون . إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به . أولئك لهم عذاب أليم . وما لهم من ناصرين ) . .

وهكذا يحسم السياق القضية بهذا التقرير المروع المفزع ، وبهذا التوكيد الواضح الذي لا يدع ريبة لمستريب .