فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ} (90)

قوله : { ثُمَّ ازدادوا كُفْراً } . قال قتادة ، وعطاء الخراساني ، والحسن : نزلت في اليهود ، والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته ، وصفته : { ثُمَّ ازدادوا كُفْراً } بإقامتهم على كفرهم ، وقيل : ازدادوا كفراً بالذنوب التي اكتسبوها ، ورجحه ابن جرير الطبري ، وجعلها في اليهود خاصة . وقد استشكل جماعة من المفسرين قوله تعالى : { لن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } مع كون التوبة مقبولة ، كما في الآية الأولى ، وكما في قوله تعالى : { وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ } [ الشورى : 25 ] وغير ذلك ، فقيل : المعنى : لن تقبل توبتهم بعد الموت . قال النحاس : وهذا قول حسن ، كما قال تعالى : { وَلَيْسَت التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنّي تُبْتُ الآن } [ النساء : 18 ] وبه قال الحسن ، وقتادة ، وعطاء ، ومنه الحديث : «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » ؛ وقيل : المعنى : لن تقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا ؛ لأن الكفر أحبطها ، وقيل : لمن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر ، والأولى أن يحمل عدم قبولهم التوبة في هذه الآية على من مات كافراً غير تائب ، فكأنه عبر عن الموت على الكفر بعدم قبول التوبة ، وتكون الآية المذكورة بعد هذه الآية ، وهي قوله : { إِن الذين كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ } في حكم البيان لها .

/خ91