فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ} (90)

{ إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون } عن أبي العالية : هم اليهود والنصارى والمجوس أصابوا ذنوبا في كفرهم فأرادوا أن يتوبوا منها ولن يتوبوا من الكفر -يريدون التوبة من بعض الذنوب ولم يرجعوا بعد عن كفرهم – ألا ترى أنه يقول

{ وأولئك هم الضالون } ؟ وعن السدي : أما { ازدادوا كفرا } فماتوا وهم كفار ، وأما { لن تقبل توبتهم } فعند موته إذا تاب لم تقبل توبته ، قال أبو جعفر : وأولى في الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية قول من قال : عنى بها اليهود وأن يكون تأويله إن الذين كفروا من اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه بعد إيمانهم به قبل مبعثه { ثم ازدادوا كفرا } بما أصابوا من الذنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالهم { لن تقبل توبتهم } من ذنوبهم التي أصابوها في كفرهم حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ويراجعوا التوبة منه بتصديق ما جاء به من عند الله ، وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في هذه الآية بالصواب لأن الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها إذا كانت في سياق واحد وإنما قلنا معنى ازديادهم الكفر ما أصابوا في كفرهم من المعاصي لأنه جل ثناؤه قال { لن تقبل توبتهم } فكان معلوما أن معنى قوله { لن تقبل توبتهم } إنما هو معني به لن تقبل توبتهم مما ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم لا من كفرهم ، لأن الله تعالى ذكره وعد أن يقبل التوبة من عباده فقال { هو الذي يقبل التوبة من عباده . . }{[1054]} فمحال أن يقول عز وجل : أقبل ولا أقبل في شيء واحد وإذا كان ذلك كذلك ، وكان من حكم الله في عباده أنه قابل توبة كل تائب من كل ذنب وكان الكفر بعد الإيمان أحد تلك الذنوب التي وعد قبول التوبة منها بقوله { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم } علم أن المعنى الذي لا يقبل التوبة منه غير المعنى الذي تقبل التوبة منه وإذ كان ذلك كذلك فالذي لا تقبل منه التوبة هو الازدياد على الكفر بعد الكفر ، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره لأن الله لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه وضلاله فأما إن تاب من شركه وكفره وأصلح فإن الله كما وصف به نفسه { غفور رحيم } ، فإن قال قائل وما ينكر أن يكون معنى ذلك كما قال من قال : فلن تقبل توبتهم من كفرهم عند حضور أجله أو توبته الأولى ؟ قيل أنكرنا ذلك لأن التوبة من العبد غير كائنة إلا في حال حياته ، فأما بعد مماته فلا توبة ، وقد وعد الله عز وجل عباده قبول التوبة منهم مادامت أرواحهم في أجسادهم ولا خلاف بين جميع الحجة في أن كافرا لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عين أن حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه والموارثة وسائر الأحكام غيرها ، فكان معلوما بذلك أن توبته في تلك الحال لو كانت غير مقبولة لم ينتقل حكمه من حكم الكفار إلى حكم أهل الإسلام ولا منزلة بين الموت والحياة يجوز أن يقال لا يقبل الله فيها توبة الكافر فإذا صح أنها في حال حياته مقبولة ولا سبيل بعد الممات إليها بطل قول الذي زعم أنها غير مقبولة عند حضور الأجل . . 1ه .


[1054]:من سورة الشورى من الآية 25.