الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ} (90)

قوله تعالى : { كُفْراً } : تمييزٌ منقولٌ من الفاعلية ، والأصلُ : ثم ازداد كفرهُم ، والدالُ الأولى بدلٌ من تاءِ الافتعالِ لوقوعِها بعد الزاي ، كذا أعربه الشيخ ، وفيه نظرٌ ، إذ المعنى على أنه مفعول به ، وذلك أنَّ الفعلَ المتعدِّيَ لاثنين إذا جُعِل مطاوعاً نَقَص مفعولاً ، وهذا من ذاك ، لأن الأصل : زِدْتُ زيداً خيراً فازداده ، وكذلك أصلُ الآية الكريمة ، زادهم الله كفراً فازدادوه .

ولم يُؤْتَ هنا بالفاء داخلةً على " لن " وأتى بها في " لن " الثانيةِ . قيل : لأنَّ الفاءَ مُؤْذِنَةٌ بالاستحقاق بالوصفِ السابق ، لأنه قد صَرَّح بقيدِ موتهم على الكفر بخلافِ " لن " الأولى فإنه لم يُصَرِّح معها به ، فلذلك لم يُؤْتَ بالفاء .

وقرأ عكرمة : " لن نقبل " بنونِ العظمة ، " توبتَهم " بالنصب ، فلذلك قرأ : " فلن نقبل مِنْ أحدِهم ملء " بالنصب .

قوله : { وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ } في هذه الجملة ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكونَ في محلِّ رفعٍ عطفاً على خبر إنَّ ، أي : إنَّ الذين كفروا لن تُقْبل توبتُهم وإنهم أولئك هم الضالون .

الثاني : أن تُجْعَلَ معطوفة على الجملة المؤكدة بإن ، وحينئذٍ فلا محلَّ لها من الإِعرابِ لعطفِها على ما لا محلَّ له .

الثالث : وهو أغربُها أن تكونَ الواو للحال ، فالجملة بعدها نصب على الحال ، والمعنى : لن تُقْبَل توبتُهم من الذنوب والحالُ أنهم ضالون ، فالتوبةُ والضلال متنافيان لا يَجْتمعان ، قاله الراغب ، وهو بعيد في التركيب ، وإنْ كانَ قريبَ المعنى . قال الشيخ : " ويَنْبو عن هذا المعنى هذا التركيبُ ، إذ لو أُريد هذا المعنى لم يُؤْتَ باسم الإِشارة " .