غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ} (90)

81

قوله سبحانه { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً } ازدياد الكفر قد يراد به الإصرار على الكفر ، وقد يراد به ضم كفر إلى كفره وهو المراد في الآية باتفاق عامة المفسرين . ثم اختلفوا فقيل : إنهم أهل الكتاب آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ثم كفروا به عند المبعث ثم ازدادوا كفراً بسبب طعنهم فيه كل وقت ، وإنكارهم لكل معجز يظهر عليه إلى غير ذلك من تخليطاتهم وتغليطاتهم .

وقيل : إن اليهود كانوا مؤمنين بموسى ثم كفروا بعيسى والإنجيل ، ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن . وهذا قول الحسن وقتادة وعطاء ، وقيل : نزلت في الذين ارتدوا وذهبوا إلى مكة ، وازديادهم الكفر أنهم قالوا : نقيم بمكة نتربص بمحمد ريب المنون . وقيل : عزموا على الرجوع إلى الإسلام على سبيل النفاق فسمى الله تعالى ذلك النفاق زيادة في الكفر . ثم إنه تعالى حكم في الآية الأولى بقبول توبة المرتدين ، وحكم تعالى في هذه الآية بعدم قبولها ، وهذا يوهم التناقض . وأيضاً ثبت بالدليل أن التوبة بشروطها مقبولة فما معنى قوله { لن تقبل توبتهم } قال الحسن وقتادة وعطاء : المراد بازدياد الكفر إصرارهم عليه فلا يتوبون إلا عند حضور الموت ، والتوبة حينئذٍ لا تقبل لقوله تعالى :{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن }[ النساء :18 ] وقيل : هي محمولة على ما إذا تابوا باللسان لا عن الإخلاص . وقال القاضي والقفال وابن الأنباري : هي من تتمة قوله : { إلا الذين تابوا } يريد أنه لو كفر بعد التوبة الأولى فإن التوبة الأولى لا تكون مقبولة . وقيل : لعل المراد أن التوبة من تلك الزيادة لا تكون مقبولة ما لم يتب عن الأصل المزيد عليه . أقول : ويحتمل أن يكون لن تقبل توبتهم جعل كناية عن الموت على الكفر كأنه قيل : إن اليهود والمرتدين المصرين على الكفر ما يتوبون عن الكفر لما في فعلهم من قساوة القلوب والإفضاء إلى الرين وانجراره إلى الموت على حالة الكفر . وفائدة هذه الكناية تصير كونهم آيسين من الرحمة ، هذا إذا خصصنا اليهود والمرتدين بالمصرين ، أما على تقدير التعميم فنقول : إنما يجعل الموت على الكفر لازماً لازدياد كفرهم لأن القضية حينئذٍ لا تكون كلية ، فكم من مرتد أو يهودي مزداد للكفر لا بمعنى الإصرار يرجع إلى الإسلام ولا يموت على الكفر . فاكتفى بذكر لازم الموت على الكفر وهو عدم قبول التوبة حتى برز الكلام في معرض الكناية . ومن المعلوم أنها ذكر اللازم وإرادة الملزوم ، وأنه لا بد للعدول من فائدة ، فصح أن نبين فائدة العدول على وجه يصير القضية كلية وهي التغليظ في شأن أولئك الفريق من الكفار وإبراز حالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة التي هي أغلظ الأحوال وأشدها ، ألا ترى أن الموت على الكفر إنما يخاف لأجل اليأس من الرحمة ، وهذا هو الذي عول عليه في الكشاف . والحاصل أنه كأنه قيل : إن اليهود والمرتدين الذين فعلوا ما فعلوا من حقهم أن لا تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون الكاملون في الضلال ، ضلوا في تيه الأوصاف البهيمة والأخلاق السبعية فلم يكادوا يخرجون منها بقدم الإنابة .

واعلم أن الكافر على ثلاثة أقسام : أحدها الذي يتوب عن الكفر توبة صحيحة مقبولة وهو الذي سيق لأجله الآية التي ردفها الاستثناء .

وثانيها الذي يتوب توبة فاسدة وهو المذكور في قوله : { لن تقبل توبتهم } على وجه .

وثالثها الذي يموت على الكفر من غير توبة فذكره في الآية الأخيرة .