فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ} (90)

( إن الذين كفروا ) بعيسى ( بعد إيمانهم ) بموسى ( ثم ازدادوا كفرا ) بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال قتادة وعطاء الخراساني والحسن : نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته ، ثم ازدادوا بإقامتهم على كفرهم كفرا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقيل ازدادوا كفرا بالذنوب التي اكتسبوها ورجحه ابن جرير الطبري وجعلها في اليهود خاصة .

وقيل نزلت في جميع الكفار ، وذلك إنهم أشركوا بالله بعد إقرارهم بأن الله خلقهم ، ثم ازدادوا كفرا يعني بإقامتهم على الكفر حتى هلكوا ، وقيل زيادة كفرهم هو قولهم نتربص بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ريب المنون ، وقيل نزلت في أحد عشر رجلا من أصحاب الحارث بن سويد الذين ارتدوا عن الإسلام ، فلما رجع الحارث أقاموا على كفرهم بمكة .

وقد استشكل جماعة من المفسرين قوله تعالى ( لن تقبل توبتهم ) مع كون التوبة مقبولة كما في الآية الأولى وكما في قوله تعالى ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) وغير ذلك فقيل المعنى لن تقبل توبتهم عند الموت ، قال النحاس وهذا قول حسن كما قال تعالى ( وليست التوبة للذين يعملون السيآت حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ) وبه قال الحسن وقتادة وعطاء والسدي ، ومنه حديث : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر{[344]} " .

وقيل المعنى لن تقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا لأن الكفر أحبطها ، وقيل لن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفر إلى كفر آخر ، وقال ابن عباس إنهم الذين ارتدوا وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم ، والكفر في ضمائرهم .

وقال أبو العالية : هم قوم تابوا من ذنوب عملوها في حال الشرك ، ولم يتوبوا من الشرك ، وقال مجاهد : لن تقبل توبتهم إذا ماتوا على الكفر ، وقال ابن جرير : هو الازدياد على الكفر بعد الكفر لا يقبل الله منه توبة ما أقام على كفره .

( وأولئك هم الضالون ) أي هم الذين ضلوا عن سبيل الحق وأخطؤوا منهاجه والمراد هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا ، والأولى أن يحمل عدم قبول التوبة في هذه الآية على من مات كافرا غير تائب ، فكأنه عبر عن الموت على الكفر بعدم قبول التوبة .


[344]:صحيح الجامع الصغير 1899.