قوله تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به } أي : تركوا ما وعظوا به .
قوله تعالى : { أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا } ، يعني الفرقة العاصية .
قوله تعالى : { بعذاب بئيس } ، أي :شديد وجيع ، من البأس وهو الشدة ، واختلف القراء فيه ، قرأ أهل المدينة وابن عامر : بئس بكسر الباء على وزن فعل ، إلا أن ابن عامر يهمزه ، وأبو جعفر ونافع لا يهمزان ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بفتح الباء ، وسكون الياء ، وفتح الهمزة . على وزن فيعل ، مثل صيقل ، وقرأ الآخرون على وزن فعيل مثل بعير ، وصغير .
قوله تعالى : { بما كانوا يفسقون } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : نسمع الله يقول : { أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس } ، فلا أدري ما فعل بالفرقة الساكتة ؟ قال عكرمة : قلت له : جعلني الله فداك ، ألا تراهم قد أنكروا وكرهوا ما هم عليه ، وقالوا : { لم تعظون قوماً الله مهلكهم } ؟ وإن لم يقل الله أنجيتهم لم يقل : أهلكتهم ، فأعجبه قولي ، فرضي وأمر لي ببردين ، فكسانيهما . وقال :نجت الفرقة الساكتة . وقال يمان بن رباب : نجت الطائفتان الذين { قالوا لم تعظون قوماً } والذين قالوا { معذرةً إلى ربكم } ، وأهلك الله الذين أخذوا الحيتان ، وهذا قول الحسن ، وقال ابن يزيد : نجت الناهية ، وهلكت الفرقتان ، وهذه أشد أية في ترك النهي عن المنكر .
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أي : تركوا ما ذكروا به ، واستمروا على غيهم واعتدائهم .
أَنْجَيْنَا من العذاب الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وهكذا سنة اللّه في عباده ، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر .
وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا وهم الذين اعتدوا في السبت بِعَذَابٍ بَئِيسٍ أي : شديد بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
وأما الفرقة الأخرى التي قالت للناهين : لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ فاختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم ، والظاهر أنهم كانوا من الناجين ، لأن اللّه خص الهلاك بالظالمين ، وهو لم يذكر أنهم ظالمون .
فدل على أن العقوبة خاصة بالمعتدين في السبت ، ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين ، فاكتفوا بإنكار أولئك ، ولأنهم أنكروا عليهم بقولهم : لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فأبدوا من غضبهم عليهم ، ما يقتضي أنهم كارهون أشد الكراهة لفعلهم ، وأن اللّه سيعاقبهم أشد العقوبة .
ضمير { نسوا } عائد إلى { قوماً } والنسيان مستعمل في الإعراض المفضي إلى النسيان كما تقدم عند قوله تعالى : { فلما نسوا ما ذُكروا به } في سورة الأنعام ( 44 ) .
والذين ينهون عن السوء } هم الفريقان المذكوران في قوله آنفاً { وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً } إلى قوله { ولعلهم يتقون } ، و { الذين ظلموا } هم القوم المذكورون في قوله : { قوماً الله مُهلكهم } إلخ .
والظلم هنا بمعنى العصيان ، وهو ظلم النفس ، حق الله تعالى في عدم الامتثال لأمره .
و { بِيسٍ } قرأه نافع وأبو جعفر بكسر الباء الموحدة مشبعة بياء تحتية ساكنة وبتنوين السين على أن أصله بئْس بسكون الهمزة فخففت الهمزة ياء مثل قولهم : ذِيب في ذِئْب .
وقرأه ابن عامر { بئْس } بالهمزة الساكنة وإبقاء التنوين على أن أصله بَئيس .
وقرأه الجمهور { بَئيس } بفتح الموحدة وهمزة مكسورة بعدها تحتية ساكنة وتنوين السين على أنه مثالُ مبالغة من فعل بَؤُس بفتح الموحدة وضم الهمزة إذا أصابه البؤس ، وهو الشدة من الضر .
أو على أنه مصدر مثل عَذير ونَكير .
وقرأه أبو بكر عن عاصم { بَيْئسَ } بوزنَ صَيْقل ، على أنه اسم للموصوف بفعل البؤس مبالغة ، والمعنى ، على جميع القراءات : أنه عذاب شديد الضر .
وقوله : { بما كانوا يفسقون } تقدم القول في نظيره قريباً .
وقد أجمل هذا العذاب هنا ، فقيل هو عذاب غير المسخ المذكور بعده ، وهو عذاب أصيب به الذين نَسوا ما ذُكروا به ، فيكون المسخ عذاباً ثانياً أصيب به فريق شاهدوا العذاب الذي حل بإخوانهم ، وهو عذاب أشد ، وقع بعد العذاب البيس ، أي أن الله أعذر إليهم فابتدأهم بعذاب الشدة ، فلما لم ينتهوا وعتوا ، سلّط عليهم عذاب المسخ .
وقيل : العذاب البِئس هو المسخ ، فيكون قوله : { فلما عتوا عما نهوا عنه } بياناً »جمال العذاب البئس ، ويكون قوله : { فلما عتوا } بمنزلة التأكيد لقوله : { فلما نسوا } صيغ بهذا الأسلوب لتهويل النسيان والعتو ، ويكون المعنى : أن النسيان ، وهو الإعراض ، وقع مقارناً للعتو .
و { ما ذكّروا به } و { ما نُهوا عنه } ما صْدَقُهما شيء واحد ، فكان مقتضى الظاهر أن يقال : فلما نسوا وَعتوا عما نهوا عنه وذُكروا به قلنا لهم الخ ، فعدل عن مقتضى الظاهر إلى هذا الأسلوب من الإطناب لتهويل أمر العذاب ، وتكثير أشكاله ، ومقام التهويل من مقتضيات الأطناب ، وهذا كإعادة التشبيه في قول لبيد :
فتنازعا سبطاً يطير ظلاله *** كدخان مُشعَلة يشبّ ضرامها
مشمولـةٍ غُلِثت بنابت عَرفج *** كدُخان نار ساطع أسنامها
ولكن أسلوب الآية أبلغ وأوفر فائدة ، وأبعد عن التكرير اللفظي ، فما في بيت لبيد كلامٌ بليغ ، وما في الآية كلام معجز .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.