فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦٓ أَنجَيۡنَا ٱلَّذِينَ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذۡنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِۭ بَـِٔيسِۭ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (165)

قوله : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } أي : لما ترك العصاة من أهل القرية ما ذكرهم به الصالحون الناهون عن المنكر ، ترك الناسي للشيء المعرض عنه كلية الإعراض { أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء } أي : الذين فعلوا النهي ، ولم يتركوه { وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ } وهم العصاة المعتدون في السبت { بِعَذَابِ بَئِيس } أي : شديد من بؤس الشيء يبؤس بأساً إذا اشتد ، وفيه إحدى عشرة قراءة ، للسبعة وغيرهم { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } أي : بسبب فسقهم ، والجار والمجرور متعلق بأخذنا { فَلَمَّا عَتَوْاْ عَمَّا نُهُواْ عَنْهُ } أي : تجاوزوا الحد في معصية الله سبحانه تمرّداً وتكبراً { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً } أي : أمرناهم أمراً كونياً لا أمراً قولياً ، أي مسخناهم قردة . قيل : إنه سبحانه عذبهم أوّلاً بسبب المعصية ، فلما لم يقلعوا مسخهم قردة . وقيل : إن قوله : { فَلَمَّا عَتَوْاْ عَمَّا نُهُواْ عَنْهُ } تكرير لقوله : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } للتأكيد والتقرير ، وأن المسخ هو العذاب البيس ، والخاسئ الصاغر الذليل أو المباعد المطرود ، يقال : خسأته فخسىء ، أي باعدته فتباعد .

واعلم أن ظاهر النظم القرآني هو أنه لم ينج من العذاب إلا الفرقة الناهية التي لم تعص لقوله : { أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء } وأنه لم يعذب بالمسخ إلا الطائفة العاصية لقوله : { فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين } .

/خ166