{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } يعني : تركوا ما وعظوا به { أَنجَيْنَا } من العذاب { الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ } يعني : عذبنا الذين تركوا أمر الله { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } يعني : شديد { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } يعني : يعصون ويتركون أمر الله تعالى . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كان القوم ثلاثة فرق . فرقة كانوا يصطادون . وفرقة كانوا ينهون . وفرقة لم ينهوا ولم يستحلوا وقالوا للواعظة : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ } . وروى أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال : أتيت ابن عباس وهو يقرأ في المصحف ويبكي فدنوت منه حتى أخذت بلوحي المصحف وقلت : ما يبكيك قال : تبكيني هذه السورة وهو يقرأ سورة الأعراف .
وقال : هل تعرف أيلة ؟ قلت : نعم . قال : إن الله تعالى أسكنها حياً من اليهود ، وابتلاهم بحيتان حرمها عليهم يوم السبت وأحلها لهم في سائر الأيام . فإذا كان يوم السبت خرجت إليهم الحيتان . فإذا ذهب السبت غابت في البحر حتى يغوص لها الطالبون ، وإن القوم اجتمعوا واختلفوا فيها . فقال فريق منهم : إنما حرمت عليكم يوم السبت أن تأكلوها فصيدوها يوم السبت ، وكلوها في سائر الأيام . وقال الآخرون : بل حرم عليكم أن تصيدوها أو تنفروها أو تؤذوها . وكانوا ثلاث فرق : فرقة على أَيمانهم ، وفرقة على شمائلهم ، وفرقة على وسطهم فقالت الفرقة اليمنى فجعلت تنهاهم في يوم السبت ، وجعلت تقول : الله يحذركم بأس الله . وأما الفرقة اليسرى فأمسكت أيديها ، وكفت ألسنتها . وأما الوسطى فوثبت على السمك تأخذه . وجعلت الفرقة الأخرى التي كفت أيديها ، وألسنتها ، ولم تتكلم . تقول : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا } فقال : { الذين يَنْهَوْنَ } { مَعْذِرَةً إلى رَبّكُم وَلَعَلَّكُم تَتَّقُونَ } فدخل الذين أصابوا السمك إلى المدينة ، وأبى الآخرون أن يدخلوا معهم فغدا هؤلاء الذين أبوا أن يدخلوا المدينة . فجعلوا ينادون من فيها فلم يجبهم أحد . فقالوا : لعل الله خسف بهم ، أو رموا من السماء بحجارة ، فارفعوا رجلاً ينظر ، فجعلوا رجلاً على سلم فأشرف عليهم ، فإذا هم قردة تتعادى ولها أذناب قد غيّر الله تعالى صورهم بصنيعهم . فصاح إلى القوم فإذا هم قد صاروا قردة ، فكسروا الباب ، ودخلوا منازلهم ، فجعلوا لا يعرفون أنسابهم ، ويقولون لهم : ألم ننهكم عن معصية الله تعالى ونوصيكم ؟ فيشيرون برؤوسهم بلى ودموعهم تسيل على خدودهم . فأخبر الله تعالى أنه أنجى الذين ينهون عن السوء ، وأخذ الذين ظلموا . قوله : { أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } . ولا يدرى ما صنع بالذين لم ينهوا ولم يأخذوا .
وقال عكرمة : بل أهلكهم الله لأنه أنجى الذين ينهون عن السوء . وأهلك الفريقين الآخرين . فوهب له ابن عباس بردة بهذا الكلام .
وروي في رواية أُخرى أنهم كانوا يأخذون الحظائر والحياض بجنب البحر ، ويسيلون الماء فيها يوم السبت من البحر حتى يدخل فيها السمك ، ويأخذونه في يوم الأحد فقالوا : إنا نأخذه في يوم الأحد . فلما لم يعذبوا استحلوا الأخذ في يوم السبت من البحر وقالوا : إنما حرم الله على أبنائنا ولم يحرم علينا فنهاهم الصلحاء فلم يمتنعوا ، فضربوا حائطاً بينهم ، وصارت الواعظة في ناحية ، والذين استحلوا في ناحية والحائط بين الفريقين . فأصبحوا في يوم من الأيام ولم يفتح الباب الذي بينهما ، فارتقى واحد منهم الحائط ، فإذا القوم قد مسخوا إلى قردة . وقال بعضهم : كان القوم أربعة أصناف صنف يأخذون ، وصنف يرضون ، وصنف ينهون ، وصنف يسكتون ، فنجا صنفان ، وهلك صنفان . قال بعضهم : كانوا صنفين صنف يأخذون ، وصنف ينهون .
وروى قتادة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : كانوا ثلاث فرق فهلك الثاني ، ونجا الثالث ، والله أعلم ما فعل بالفرقة الثالثة . قرأ نافع { بعذاب بِيْس } بكسر الباء وسكون الياء بلا همز . وقرأ عاصم في رواية أبي بكر { بعذاب بَيْأَس } بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة . وقرأ الباقون : { ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } بنصب الباء وكسر الياء والهمزة وسكون الياء وهي اللغة المعروفة ، والأولى لغة لبعض العرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.