{ فَلَمَّا نَسُواْ } يعني أهل القرية ، فلما تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه { أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا } الظالمين الراكبين للمنكر .
فإن قلت : الأمة الذين قالوا { لِمَ تَعِظُونَ } من أي الفريقين هم أمن فريق الناجين أم المعذبين قلت من فريق الناجين ، لأنهم من فريق الناهين . وما قالوا ما قالوا إلا سائلين عن علة الوعظ والغرض فيه ، حيث لم يروا فيه غرضاً صحيحاً لعلمهم بحال القوم . وإذا علم الناهي حال المنهي وأن النهي لا يؤثر فيه ، سقط عنه النهي ، وربما وجب الترك لدخوله في باب العبث . ألا ترى أنك لو ذهبت إلى المكاسين القاعدين على المآصر والجلادين المرتبين للتعذيب لتعظهم وتكفهم عما هم فيه ، كان ذلك عبثاً منك ، ولم يكن إلاّ سبباً للتلهي بك . وأما الآخرون فإنما لم يعرضوا عنهم إمّا لأن يأسهم لم يستحكم كما استحكم يأس الأولين ، ولم يخبروهم كما خبروهم ، أو لفرط حرصهم وجدّهم في أمرهم كما وصف الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله : { فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ } [ الكهف : 6 ] وقيل : الأمة هم الموعوظون ، لما وعظوا قالوا للواعظين : لم تعظون منا قوما تزعمون أنّ الله مهلكهم أو معذبهم ؟ وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : يا ليت شعري ما فعل بهؤلاء الذين قالوا : لم تعظون قوماً ؟ قال عكرمة : فقلت : جعلني الله فداك ، ألا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا : لم تعظون قوماً الله مهلكهم ، فلم أزل به حتى عَرَّفْته أنهم قد نجوا . وعن الحسن : نجت فرقتان وهلكت فرقة ، وهم الذين أخذوا الحيتان . وروي : أنّ اليهود أُمروا باليوم الذي أُمرنا به وهو يوم الجمعة ، فتركوه واختاروا السبت ، فابتلوا به وحرّم عليهم فيه الصيد ، وأمروا بتعظيمه ، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعاً بيضاً سماناً كأنها المخاض ، لا يرى الماء من كثرتها ، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ، فكانوا كذلك برهة من الدهر ، ثم جاءهم إبليس فقال لهم : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا حياضاً تسوقون الحيتان إليها يوم السبت ، فلا تقدر على الخروج منها . وتأخذونها يوم الأحد ، وأخذ رجل منهم حوتاً وربط في ذنبه خيطاً إلى خشبة في الساحل ، ثم شواه يوم الأحد ، فوجد جاره ريح السمك فتطلع في تنوره فقال له : إني أرى الله سيعذبك ، فلما لم يره عذب أخذ في السبت القابل حوتين ، فلما رأوا أنّ العذاب لا يعاجلهم ، صادوا وأكلوا وملحوا وباعوا ، وكانوا نحواً من سبعين ألفاً ، فصار أهل القرية أثلاثاً ، ثلث نهوا وكانوا نحواً من اثني عشر ألفاً ، وثلث قالوا : لم تعظون قوماً ؟ وثلث هم أصحاب الخطيئة .
فلما لم ينتهوا قال المسلمون : إنا لا نساكنكم ، فقسموا القرية بجدار : للمسلمين باب ، وللمعتدين باب . ولعنهم داود عليه السلام ، فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد ، فقالوا : إنّ للناس شأناً ، فعلوا الجدار فنطروا فإذا هم قردة ، ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القرود أنسباءها من الأنس ، والأنس لا يعرفون أنسباءهم من القرود ، فجعل القرد يأتي نسيبه فيشم ثيابه ويبكي ، فيقول : ألم ننهك فيقول برأسه : بلى ، وقيل : صار الشباب قردة ، والشيوخ خنازير . وعن الحسن : أكلوا والله أوخم أكلة أكلها أهلها ، أثقلها خزياً في الدنيا وأطولها عذاباً في الآخرة ، هاه وايم الله ، ما حوتٌ أخذه قوم فأكلوه أعظم عند الله من قتل رجل مسلم . ولكن الله جعل موعداً ، والساعة أدهى وأمرّ { بَئِيسٍ } شديد . يقال : بؤس يبؤس بأساً ، إذا اشتدّ ، فهو بئيس . وقرئ : «بئس » ، بوزن حَذِر . وبئس على تخفيف العين ونقل حركتها إلى الفاء . كما يقال : كبد في كبد . وبيس على قلب الهمزة ياء ، كذيب في ذئب ، وبيئس على فيعل ، بكسر الهمزة وفتحها ، وبيس بوزن ريس ، على قلب همزة بيئس ياء وإدغام الياء فيها ، وبيس على تخفيف بيس ، كهين في هين . وبائس على فاعل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.