معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

قوله تعالى : { بل } يعني : دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل ، { نقذف } نرمي ونسلط ، { بالحق } بالإيمان ، { على الباطل } على الكفر وقيل : الحق قول الله ، فإنه لا ولد له ، والباطل قولهم اتخذ الله ولداً ، { فيدمغه } يعني : يهلكه ، وأصل الدمغ : شج الرأس حتى يبلغ الدماغ ، { فإذا هو زاهق } ذاهب ، والمعنى : أنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يضمحل ويذهب ، ثم أوعدهم على كذبهم فقال : { ولكم الويل } يا معشر الكفار ، { مما تصفون } الله بما لا يليق به من الصاحبة والولد . وقال مجاهد : مما تكذبون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

{ 18 - 20 ْ } { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ْ }

يخبر تعالى ، أنه تكفل بإحقاق الحق وإبطال الباطل ، وإن كل باطل قيل وجودل به ، فإن الله ينزل من الحق والعلم والبيان ، ما يدمغه ، فيضمحل ، ويتبين لكل أحد بطلانه { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ْ } أي : مضمحل ، فانٍ ، وهذا عام في جميع المسائل الدينية ، لا يورد مبطل ، شبهة ، عقلية ولا نقلية ، في إحقاق باطل ، أو رد حق ، إلا وفي أدلة الله ، من القواطع العقلية والنقلية ، ما يذهب ذلك القول الباطل ويقمعه فإذا هو متبين بطلانه لكل أحد .

وهذا يتبين باستقراء المسائل ، مسألة مسألة ، فإنك تجدها كذلك ، ثم قال : { وَلَكُمْ ْ } أيها الواصفون الله ، بما لا يليق به ، من اتخاذ الولد والصاحبة ، ومن الأنداد والشركاء ، حظكم من ذلك ، ونصيبكم الذي تدركون به { الْوَيْلُ ْ } والندامة والخسران .

ليس لكم مما قلتم فائدة ، ولا يرجع عليكم بعائدة تؤملونها ، وتعملون لأجلها ، وتسعون في الوصول إليها ، إلا عكس مقصودكم ، وهو الخيبة والحرمان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

{ بل نقذف بالحق على الباطل } إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب أي بل من شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من عداده اللهو . { فيدمغه } فيمحقه ، وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى ، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤه المؤدي إلى زهوق الروح تصويرا لإبطاله ومبالغة فيه ، وقرئ { فيدمغه } بالنصب كقوله :

سأترك منزلي لبني تميم *** وألحق بالحجاز فاستريحا

ووجهه مع بعده الحمل على المعنى والعطف على " الحق " . { فإذا هو زاهق } هالك والزهوق ذهاب الروح وذكره لترشيح المجاز . { ولكم الويل مما تصفون } مما تصفونه به مما لا يجوز عليه ، وهو في موضع الحال وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

( بل ) للإضراب عن اتخاذ اللهو وعن أن يكون الخَلق لعباً إضرابَ إبطال وارتقاء ، أي بل نحن نعمد إلى باطلكم فنقذف بالحق عليه كراهيةً للباطل بَلْهَ أن نعمل عملاً هو باطل ولعب .

والقذف ، حقيقته : رمي جسم على جسم . واستعير هنا لإيراد ما يزيل ويبطل الشيء من دليل أو زَجْر أو إعدامٍ أو تكوين ما يغلب ، لأن ذلك مثل رمي الجسم المبطل بشيء يأتي عليه ليتلفه أو يشتته ، فالله يبطل الباطل بالحقّ بأن يبين للناس بطلان الباطل على لسان رسله ، وبأن أوجَد في عقولهم إدراكاً للتمييز بين الصلاح والفساد ، وبأن يسلط بعض عباده على المبطلين لاستئصال المبطلين ، وبأن يخلق مخلوقات يسخرها لإبطال الباطل ، قال تعالى : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } في سورة الأنفال ( 12 ) .

والدمغ : كَسْر الجسم الصُلب الأجوف ، وهو هنا ترشيح لاستعارة القذف لإيراد ما يبطل ، وهو استعارة أيضاً حيث استعير الدمغ لمحق الباطل وإزالتِه كما يزيل القذف الجسم المقذوف ، فالاستعارتان من استعارة المحسوسين للمعقولين .

ودل حرف المفاجأة على سرعة محق الحقّ الباطلَ عند وروده لأن للحقّ صولة فهو سريع المفعول إذا ورد ووضح ، قال تعالى : { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابيا } إلى قوله تعالى : { كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } في سورة الرعد ( 17 ) .

والزاهق : المنفلت من موضعه والهالك ، وفِعله كسمع وضرب ، والمصدر الزهوق . وتقدم في قوله تعالى : { وتَزْهَقَ أنفسُهم وهم كافرون } في سورة براءة ( 55 ) وقوله تعالى : { إن الباطل كان زهوقاً } في سورة الإسراء ( 81 ) .

وعندما انتهت مقارعتهم بالحجج الساطعة لإبطال قولهم في الرسول وفي القرآن ابتداء من قوله تعالى : { وأسروا النجوى الذين ظلموا } إلى قوله تعالى : { كما أرسل الأولون } [ الأنبياء : 3 5 ] . وما تخلل ذلك من المواعظ والقوارع والعبر . خُتم الكلام بشتمهم وتهديدهم بقوله تعالى : { ولكم الويل مما تصفون } ، أي مما تصفون به محمداً صلى الله عليه وسلم والقرآن .

والويل : كلمة دعاء بسوء . وفيها في القرآن توجيه لأن الوَيْل اسم للعذاب .