إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

{ بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل } إضرابٌ عن اتخاذ اللهوِ بل عن إرادته ، كأنه قيل : لكنا لا نريده بل شأنُنا أن نُغلّب الحقَّ الذي من جملته الجِدُّ على الباطل الذي من قبيله اللهوُ ، وتخصيصُ شأنِه هذا من بين سائر شؤونِه تعالى بالذكر للتخلص إلى ما سيأتي من الوعيد { فَيَدْمَغُهُ } أي يمحقه بالكلية كما فعلنا بأهل القرى المَحْكية ، وقد استُعير لإيراد الحقِّ على الباطل القذفُ الذي هو الرمْيُ الشديدُ بالجِرم الصُّلْب كالصخرة ، وَلمَحْقه للباطل الدمغُ الذي هو كسرُ الشيء الرِّخْوِ الأجوفِ وهو الدِّماغ بحيث يشق غشاءَه المؤدّيَ إلى زُهوق الروحِ تصويراً له بذلك ، وقرئ فيدمغَه بالنصب وهو ضعيف ، وقرئ فيدمُغه بضم الميم { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } أي ذاهبٌ بالكية ، وفي إذا الفجائية والجملة الاسميةِ من الدِلالة على كمال المسارعةِ في الذهاب والبُطلان ما لا يخفى فكأنه زاهقٌ من الأصل { وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ } وعيدٌ لقريش بأن لهم أيضاً مثلَ ما لأولئك من العذاب والعقاب ، ومن تعليليةٌ متعلقةٌ بالاستقرار الذي تعلق به الخبرُ ، أو بمحذوف هو حالٌ من الويل أو من ضميره في الخبر ، وما إما مصدريةٌ أو موصولةٌ أو موصوفةٌ أي واستقر لكم الويلُ والهلاكُ من أجل وصفِكم له سبحانه بما لا يليق بشأنه الجليل ، أو بالذي تصفونه أو بشيء تصفونه به من الولد أو كائناً مما تصفونه تعالى به .