معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

قوله تعالى : { وجاءت سكرة الموت } غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله ، { بالحق } أي بحقيقة الموت ، وقيل : بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعيان . وقيل : بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة . ويقال لمن جاءته سكرة الموت : { ذلك ما كنت منه تحيد } تميل ، قال الحسن : تهرب . قال ابن عباس : تكره ، وأصل الحيد الميل ، يقال : حدت عن الشيء أحيد حيداً ومحيداً : إذا ملت عنه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

{ 19-22 } { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }

أي { وَجَاءَتْ } هذا الغافل المكذب بآيات الله { سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } الذي لا مرد له ولا مناص ، { ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ } أي : تتأخر وتنكص{[826]}  عنه .


[826]:- كذا في ب، وفي أ: تحيد.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

{ وجاءت سكرة الموت بالحق } لما ذكر استبعادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام الساعة ، ونبه على اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي ، وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل والباء للتعدية كما في قولك : جاء زيد بعمرو . والمعنى وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر أو الموعود الحق ، أو الحق الذي ينبغي أن يكون من الموت أو الجزاء ، فإن الإنسان خلق له أو مثل الباء في { تنبت بالدهن } . وقرئ " سكرة الحق بالموت " على أنها لشدتها اقتضت الزهوق أو لاستعقابها له كأنها جاءت به ، أو على أن الباء بمعنى مع . وقيل { سكرة الموت } سكرة الله وإضافتها إليه للتهويل . وقرئ " سكرات الموت " . { ذلك } أي الموت . { ذلك } أي الموت . { ما كنت منه تحيد } تميل وتنفر عنه والخطاب للإنسان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

عطف على جملة { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ ق : 16 ] لاشتراكهما في التنبيه على الجزاء على الأعمال . فهذا تنقل في مراحل الأمور العارضة للإنسان التي تسلمه من حال إلى آخر حتى يقع في الجزاء على أعماله التي قد أحصاها الحفيظان .

وإنما خولف التعبير في المعطوف بصيغة الماضي دون صيغة المضارع التي صيغ بها المعطوف عليه لأنه لقربه صار بمنزلة ما حصل قصدا لإدخال الروع في نفوس المشركين كما استفيد من قوله : { ذلك ما كنت منه تحيد } نظير قوله تعالى : { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } [ الجمعة : 8 ] .

ويأتي على ما اختاره الفخر في تفسير { إذ يتلقى المتلقّيان } [ ق : 17 ] الآية أن تكون جملة { وجاءت سكرة الموت } الخ في موضع الحال . والتقدير : وقد جاءت سكرة الموت بالحق حينئذٍ .

والمجيء مجاز في الحصول والاعتراء وفي هذه الاستعارة تهويل لحالة احتضار الإنسان وشعوره بأنه مفارق الحياة التي ألِفها وتعلق بها قلبه .

والسَّكرة : اسم لما يعتري الإنسان من ألم أو اختلال في المزاج يحجب من إدراك العقل فيختل الإدراك ويعتري العقل غيبوبة . وهي مشتق من السَّكر بفتح فسكون وهو الغلق لأنه يغلق العقل ومنه جاء وصف السكران .

والباء في قوله : { بالحق } للملابسة ، وهي إما حال من { سكرة الموت } أي متصفة بأنها حق ، والحق : الذي حقّ وثبَت فلا يتخلّف ، أي السكرة التي لا طمع في امتداد الحياة بعدها ، وإما حال من { الموت } ، أي ملتبساً بأنه الحق ، أي المفروض المكتوب على الناس فهم محقوقون به ، أو الذي هو الجِدّ ضد العبث كقوله تعالى : { خلق السماوات والأرض بالحق } [ التغابن : 3 ] مع قوله : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلاً } [ ص : 27 ] .

وقول { ذلك } إشارة إلى الموت بتنزيل قرب حصوله منزلة الحاصل المشاهد .

و { تحيد } تفرّ وتهرب ، وهو مستعار للكراهية أو لتجنب أسباب الموت . والخطاب للمقصود من الإنسان وبالمقصود الأول منه وهم المشركون لأنهم أشدّ كراهية للموت لأن حياتهم مادية مَحضة فهم يريدون طول الحياة قال تعالى : { ومِن الذين أشركوا يَودّ أحدهم لو يُعَمَّر ألف سنة } [ البقرة : 96 ] إذ لا أمل لهم في حياة أخرى ولا أمل لهم في تحصيل نعيمها ، فأما المؤمنون فإن كراهتهم للموت المرتكزة في الجبلة بمقدار الإلف لا تبلغ بهم إلى حد الجزع منه . وفي الحديث « من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه » ، وتأويله بالمؤمن يحب لقاء الله للطمع في الثواب ، وبالكافر يكره لقاء الله . وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « إن المؤمن إذا حضرته الوفاة رأى ما أعد الله له من خير فأحب لقاء الله » أي والكافر بعكسه ، وقد قال الله تعالى خطاباً لليهود { قل إن الموت الذي تَفِرُّون منه فإنه ملاقيكم } [ الجمعة : 8 ] .

وتقديم { منه } على { تحيد } للاهتمام بما منه الحياد ، وللرعاية على الفاصلة .