محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

{ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد 19 } .

{ وجاءت سكرة الموت } أي شدّته المحيّرة الشاغلة للحواس ، المذهلة للعقل { بالحق } أي بالموعود الحق ، والأمر المحقق ، وهو الموت ، فالباء للملابسة . أو بالموعود الحق من أمر الآخرة ، والثواب والعقاب الذي غفل عنه ، فالباء للتعدية . أي أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر ، وهي أحوالها الباطنة ، وأظهرتها عليه .

قال الشهاب : السكرة استعيرت للشدة ، ووجه الشبه بينهما أن كلا منهما مذهب للعقل ، فالاستعارة تصريحية تحقيقية . ويجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية . وإثبات السكرة لها ، تخييل . { ذلك ما كنت منه تحيد } أي تفرّ . والجملة على تقدير القول . أي يقال له في وقت الموت : ذلك الأمر الذي رأيته هو الذي كنت منه تحيد في حياتك ، فلم ينفعك الهرب والفرار . وهل المشار إليه بذلك ، الحق أو الموت ؟

/ قال الطيبيّ : إن اتصل قوله : { وجاءت سكرة الموت . . } الخ بقوله : { في لبس من خلق جديد } وما معه ، فالمشار إليه بذلك الحق ، والخطاب للفاجر . أي جاءك أيها الفاجر الحق الذي أنكرته . وإن اتصل بقوله : { ولقد خلقنا الإنسان . . . } الخ ، فالمشار إليه الموت . والالتفات لا يفارق الوجهين . والثاني هو المناسب ، لقوله : { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } بعده ، وتفصيله{[6754]} { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد } {[6755]} { وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد } انتهى .


[6754]:[50/ق/24].
[6755]:[50/ق/ 31].