الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

وقوله : { وَجَاءَتْ } عطف ، عندي ، على قوله : { إِذْ يَتَلَقَّى } فالتقدير : وإذ تجيء سكرة الموت .

( ت ) : قال شيخُنَا ، زينُ الدين العراقيُّ في أرجوزته :

وَسَكْرَةُ المَوْتِ اختلاط الْعَقْلِ ***

البيت . انتهى .

وقوله : { بالحق } معناه : بلقاء اللَّهِ ، وَفَقْدُ الحياة الدنيا ، وفراقُ الحياة حَقٌّ يعرفه الإنسانُ ، ويحيد منه بأمله ، ومعنى هذا الحيد أَنَّه يقول : أعيش كذا وكذا ، فمتى فكر حاد بذهنه وأمله إلى مسافة بعيدة من الزمان ، وهذا شأن الإنسان ، حَتَّى يفاجئه الأجل ؛ قال عَبْدُ الحَقِّ في «العاقبة » : وَلَمَّا احْتَضَرَ مالك بن أنس ، ونزل به الموتُ قال لمن حضره : لَيُعَاينَنَّ الناسُ غداً من عفو اللَّه وَسَعَةِ رحمته ما لم يخطر على قلب بشر ، كُشِفَ له رضي اللَّه عنه عن سعة رحمة اللَّه وكثرة عفوه وعظيم تجاوُزِهِ ما أوجب أَنْ قال هذا ، وقال أبو سليمان الدارانيُّ : دخلنا على عابد نزوره ، وقد حضره الموتُ ، وهو يبكي ، فقلنا له : ما يبكيك رحمك اللَّه ؟ ! فأنشأ يقول :

وَحُقَّ لِمِثْلِي البُكَا عِنْدَ مَوْتِه *** وَمَالِيَ لاَ أَبْكِي وَمَوْتِي قَدِ اقترب

وَلِي عَمَلٌ في اللَّوْحِ أَحْصَاهُ خَالِقِي *** فَإنْ لَمْ يَجُدْ بِالْعَفْوِ صِرْتُ إلَى الْعَطَبْ

انتهى .