فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

{ وجاءت سكرة الموت } لما بين سبحانه أن جميع أعمالهم محفوظة مكتوبة ذكر بعده ما ينزل بهم من الموت والبعث ، وما يتفرع عليه من الأحوال والأهوال ، وقد عبر عن وقوع كل منها بصيغة الماضي إيذانا بتحققها ، وغاية اقترابها ، والمراد بسكرة الموت شدته وغمرته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله ، ومعنى { بالحق } أنه عند الموت يتضح له الحق ، ويظهر له صدق ما جاءت به الرسل من الإخبار بالبعث والوعد والوعيد ، وقيل : الحق هو الموت نفسه ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي وجاءت سكرة الحق بالموت ، وكذا قرأ أبو بكر الصديق وابن مسعود .

والسكرة هي الحق فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللفظين ، وقيل الباء للملابسة كالتي في قوله : { تنبت بالدهن } أي متلبسة بالحق أي بحقيقة الحال وقيل بالحق من أمر الآخرة حتى يراه المنكر لها عيانا وهو نفس الشدة قاله الجلال المحلي وقال القاري : لم يظهر لي معنى هذه العبارة ، ويمكن أن يقال الضمير في قوله هو راجع لأمر الآخرة ، والمراد بالشدة الأمر الشديد ، وهو أهوال الآخرة فعلى هذا تكون هذه الجملة تفسيرا لقوله من أمر الآخرة ، وقيل بالحكمة وقيل بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة .

{ ذلك } أي الموت { ما كنت منه تحيد } أي الذي كنت تميل عنه وتفر منه في حياتك ، فلم ينفعك الهرب والفرار ، يقال : حاد عن الشيء يحيد حيودا وحيدة وحيدودة مال عنه وعدل .