النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

قوله عز وجل : { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ } يحتمل وجهين :

أحدهما : ما يراه عند المعاينة من ظهور الحق فيما كان الله قد أوعده .

الثاني : أن يكون الحق هو الموت ، سمي حقاً ، إما لاستحقاقه ، وإما لانتقاله إلى دار الحق . فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير . وتقديره : وجاءت سكرة الحق بالموت ، ووجدتها في قراءة ابن مسعود كذلك .

{ ذلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أنه كان يحيد من الموت ، فجاءه الموت .

الثاني : أنه يحيد من الحق ، فجاءه الحق عند المعاينة .

وفي معنى التحيد وجهان :

أحدهما : أنه الفرار ، قاله الضحاك .

( الثاني ) : العدول ، قاله السدي . ومنه قول الشاعر :

ولقد قلت حين لم يك عنه *** لي ولا للرجال عنه محيد

فروى عاصم بن أبي بهدلة ، عن أبي وائل ، أن عائشة قالت عند أبيها وهو يقضي :

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى *** إذا حشرجت يوماً ، وضاق بها الصدر{[2739]}

فقال أبو بكر : " [ هلا قلت كما قال الله ] {[2740]} : وَجَآءَتْ سَكْرَتُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } .


[2739]:البيت لحاتم الطائي.
[2740]:هذه العبارة يقتضيها السياق وقد أخذناها من تفسير القرطبي.