الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

أخرج ابن المنذر عن ابن جريج { وجاءت سكرة الموت } قال : غمرة الموت .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول : «لا إله إلا الله إن للموت سكرات » .

وأخرج الحاكم وصححه عن القاسم بن محمد رضي الله عنه أنه تلا { وجاءت سكرة الموت بالحق } فقال : حدثتني أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء ، وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول : «اللهم أعني على سكرات الموت » .

وأخرج ابن سعد عن عروة رضي الله عنه قال : «لما مات الوليد بن الوليد بكته أم سلمة فقالت :

يا عين فابكي للوليد *** بن الوليد بن المغيرة

كان الوليد بن الوليد *** أبا الوليد فتى العشيرة

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقولي هكذا يا أم سلمة ، ولكن قولي { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } » .

وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن عائشة قالت : لما حضرت أبا بكر الوفاة قلت :

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

قال أبو بكر رضي الله عنه { وجاءت سكرة الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد } قدم الحق وأخر الموت .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن ابن أبي مليكة رضي الله عنه قال : صبحت ابن عباس من مكة إلى المدينة فكان إذا نزل منزلاً قام شطر الليل ، فسئل : كيف كانت قراءته ؟ قال : قرأ { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } فجعل يرتل ويكثر في ذلك التسبيح .

وأخرج أحمد وابن جرير عن عبد الله بن اليمني مولى الزبير بن العوّام قال : لما حضر أبو بكر تمثلت عائشة بهذا البيت :

أعاذل ما يغني الحذار عن الفتى *** إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

فقال أبو بكر رضي الله عنه : ليس كذلك يا بنية ، ولكن قولي { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } .

أما قوله تعالى : { ما كنت منه تحيد } .

أخرج الطبراني عن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض بدين فجاء يسعى حتى إذا أعيا وانبهر دخل حجره فقالت له الأرض يا ثعلب ديني فخرج خصاص فلم يزل كذلك حتى انقطعت عنقه فمات » .