تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ} (19)

الآية 19 وقوله تعالى : { وجاءت سكرة الموت } أي شدّته . يخبر أن لا بد أن ينزل بالنفس عند الموت شدة ومشقّة . ثم الآية تخرّج على وجهين :

أحدهما : ألا يُجزيَ على ظاهر ما في الماضي ، أعني لفظة { وجاءت } أي جاءت سكرة الموت على الذين كانوا من قبلكم ، فوجدتهم غير متأهّبين ولا مستعدّين له ، والله أعلم .

والثاني : أن يكون قوله : { وجاءت } بمعنى تجيء ، وكذلك { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } [ الآية : 21 ] وذلك جائز في اللغة .

وقوله تعالى : { بالحق } أي من أهل الشقاوة أم من أهل السعادة . يقول : عند ذلك يتبيّن له ، ويظهر أنه من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة أو من أهل الجنة أو من أهل النار .

وأصله عندنا أن الحق ، هو ما وعد كل نفس من خير وما أوعد كل نفس من الشر ؛ إن كان مؤمنا ، وقد وعد له الجنة ، فيتحقّق له ذلك ، وإن كان كافرا ، وقد أوعد له النار ، فيتحقق له ذلك .

ويحتمل ما ذكر من الحق ههنا ، هو الموت نفسه ، أخبر أنه لا بد من الموت وأنه كائن لا محالة ، وهو كقوله تعالى : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخُلد } [ الأنبياء : 34 ] يقول : لم يخلق الخلق للخلود في الدنيا ، ولكن للآخرة ، فلا بدّ من الموت ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ذلك ما كنت منه تحيد } يحتمل وجهين :

[ أحدهما ]{[19777]} : أي أتاك ما كنت تكره مجيئه ، وتُنكر ، ولم تؤمن به ، وهو البعث ، ويوم القيامة الذي ينكرونه ، ويكرهونه .

والثاني : يحتمل الموت نفسه ، أي أتاك ما كنت تكره ، وتفر منه ؛ إذ هم كانوا يكرهون الموت ، ويفرّون منه ، فإنه [ ملاقيك أي يأتيك ]{[19778]} من حيث لا مفرّ لقوله : { قل إن الموت الذي تفرّون منه فإنه ملاقيكم } [ الجمعة : 8 ] أي أتاكم من حيث لا مفرّ لكم منه{[19779]} . ثم الحَيدًُ ، هو الميل والكراهة .

وقال أبو عوسجة : الحَيد الفرار ؛ يقال : حادَ يحِيد حَيدا ، فهو حائد .


[19777]:ساقطة من الأصل وم.
[19778]:في الأصل وم: ملاقيكم أي يأتيكم.
[19779]:في الأصل وم: عنده.