معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا} (21)

قوله تعالى : { انظر } يا محمد ، { كيف فضلنا بعضهم على بعض } ، في الرزق والعمل الصالح يعني : طالب العاجلة وطالب الآخرة ، { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا} (21)

{ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } في الدنيا بسعة الأرزاق وقلتها ، واليسر والعسر والعلم والجهل والعقل والسفه وغير ذلك من الأمور التي فضل الله العباد بعضهم على بعض بها .

{ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا } فلا نسبة لنعيم الدنيا ولذاتها إلى الآخرة بوجه من الوجوه .

فكم بين من هو في الغرف العاليات واللذات المتنوعات والسرور والخيرات والأفراح ممن هو يتقلب في الجحيم ويعذب بالعذاب الأليم ، وقد حل عليه سخط الرب الرحيم وكل من الدارين بين أهلها من التفاوت ما لا يمكن أحدا عده .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا} (21)

ثم قال تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } في الدنيا ، فمنهم الغني والفقير وبين ذلك ، والحسن والقبيح وبين ذلك ، ومن يموت صغيرًا ، ومن يعمر حتى يبقى شيخًا كبيرًا ، وبين ذلك { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا } أي : ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا ؛ فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها ، ومنهم من يكون في الدرجات العُلَى ونعيمها وسرورها ، ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه ، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون ، فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض . وفي الصحيحين : " إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين ، كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء " {[17379]} ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا } ]{[17380]} .


[17379]:تقدم تخريجه عند تفسير الآية: 69 من سورة النساء من حديث أبي سعيد، رضي الله عنه، وفي لفظه اختلاف عن هذا اللفظ. ورواه بهذا اللفظ الحميدي في مسنده برقم (775) من حديث أبي سعيد، رضي الله عنه.
[17380]:زيادة من ف، أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا} (21)

لما كان العطاء المبذول للفريقين هو عطاء الدنيا وكان الناس مفضلين فيه على وجه يدركون حكمته لفت الله لذلك نظر نبيه عليه الصلاة والسلام لَفْتَ اعتبار وتدبر ، ثم ذَكَّرَهُ بأن عطاء الآخرة أعظم عطاء ، وقد فضل الله به المؤمنين .

والأمر بالنظر موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ترفيعاً في درجات علمه ويحصل به توجيه العبرة إلى غيره .

والنظر حقيقته توجه آلة الحس البَصري إلى المبصر . وقد شاع في كلام العرب استعماله في النظر المصحوب بالتدبر وتكرير مشاهدة أشياء في غرض ما ، فيقوم مقام الظن ويستعمل استعماله بهذا الاعتبار ، ولذلك شاع إطلاق النظر في علم الكلام على الفكر المؤدي إلى علم أو ظن ، وهو هنا كذلك . وفد تقدم نظيره في قوله تعالى : { انظر كيف يفترون على الله الكذب } في [ النساء : 50 ] .

( و ( كيف ] اسم استفهام مستعمل في التنبيه ، وهو معلّق فعلَ ( انظر ) عن العمل في المفعولين . والمراد التفضيل في عطاء الدنيا ، لأنه الذي يدركه التأمل والنظر وبقرينة مقابلته بقوله : { وللآخرة أكبر درجات } .

والمقصود من هذا التنظير التنبيه إلى أن عطاء الدنيا غير منوط بصلاح الأعمال ؛ ألا ترى إلى ما فيه من تفاضل بين أهل العمل المتحد ، وقد يفضل المسلم فيه الكافر ، ويفضل الكافر المسلم ، ويفضل بعض المسلمين بعضاً ، وبعض الكفرة بعضاً ، وكفاك بذلك هادياً إلى أن مناط عطاء الدنيا أسباب ليست من وادي العمل الصالح ولا مما يساق إلى النفوس الخيرة .

ونصب { درجات } و { تفضيلاً } على التمييز لنسبة { أكبر } في الموضعين ، والمفضل عليه هو عطاء الدنيا .

والدرجات مستعارة لعظمة الشرف ، والتفضيل : إعطاء الفضل ، وهو الجدة والنعمة ، وفي الحديث : « ويتصدقون بفضول أموالهم » والمعنى : النعمة في الآخرة أعظم من نعم الدنيا .