السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا} (21)

ثم إنه تعالى أمر بالنظر في عطائه هذا على وجه مرغب في الآخرة مزهد في الدنيا بقوله تعالى : { انظر } أي : أيها الإنسان أو يا محمد { كيف فضلنا بعضهم على بعض } فأوسعنا على مؤمن وقترنا على مؤمن آخر وأوسعنا على كافر وقترنا على كافر آخر وبين سبحانه وتعالى وجه الحكمة في التفاوت في سورة الزخرف بقوله تعالى : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } [ الزخرف ، 32 ]

الآية . وقال تعالى في آخر سورة الأنعام : { ورفع بعضكم فوق بعض درجات } [ الأنعام ، 65 ] .

تنبيه : كيفَ : نصب إمّا على التشبيه بالظرف وإما على الحال وهي معلقة لا نظر بمعنى فكر أو أبصر . ولما نبه تعالى على أن ما نراه من التفضيل إنما هو بمحض قدرته أخبر أنّ ما بعد الموت كذلك بقوله تعالى : { وللآخرة أكبر } أي : أعظم { درجاتٍ وأكبر تفضيلاً } من درجات الدنيا ومن تفضيلها فإنّ نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا كنسبة الآخرة إلى الدنيا فإن كان الإنسان تشتدّ رغبته في طلب فضيلة الدنيا فبأن تقوى رغبته في طلب الآخرة أحرى لأنها دار المقامة . روي أنّ قوماً من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله تعالى عنه فخرج الأذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمرو : إنما أوتينا من قبلنا أنهم دعوا ودعينا يعني إلى الإسلام فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة .