فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا} (21)

{ انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ } الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون لكل من له أهلية النظر والاعتبار ، وهذه الجملة مقرّرة لما مرّ من الإمداد وموضحة له ، والمعنى : انظر كيف فضلنا في العطايا العاجلة بعض العباد على بعض ، فمن غني وفقير ، وقوي وضعيف ، وصحيح ومريض ، وعاقل وأحمق ، وذلك لحكمة بالغة تقصر العقول عن إدراكها . { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } وذلك لأن نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا كنسبة الآخرة إلى الدنيا ، وليس للدنيا بالنسبة إلى الآخرة مقدار ، فلهذا كانت الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً ، وقيل : المراد : أن المؤمنين يدخلون الجنة ، والكافرين يدخلون النار ، فتظهر فضيلة المؤمنين على الكافرين . وحاصل المعنى أن التفاضل في الآخرة ودرجاتها فوق التفاضل في الدنيا ومراتب أهلها فيها من بسط وقبض ونحوهما . ثم لما أجمل سبحانه أعمال البرّ في قوله : { وسعى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أخذ في تفصيل ذلك مبتدئاً بأشرفها الذي هو التوحيد فقال : { لا تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ } .

/خ24