البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا} (21)

والظاهر أن { انظر } بصرية لأن التفاوت في الدنيا مشاهد و { كيف } في موضع نصب بعد حذف حرف الجر ، لأن نظر يتعدى به ، فانظر هنا معلقة .

ولما كان النظر مفضياً وسبباً إلى العلم جاز أن يعلق ، ويجوز أن يكون { انظر } من نظر الفكر فلا كلام في تعليقه إذ هو فعل قلبي .

والتفضيل هنا عبارة عن الطاعات المؤدّية إلى الجنة ، والمفضل عليهم الكفار كأنه قيل : انظر في تفضيل فريق على فريق ، وعلى التأويل الأول كأنه قيل في تفضيل شخص على شخص من المؤمنين والكافرين ، والمفضول في قوله : { أكبر درجات وأكبر تفضيلاً } محذوف تقديره من درجات الدنيا ومن تفضيل الدنيا .

وروي أن قوماً من الأشراف ومن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه ، فخرج الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمر : وإنما أتينا من قبلنا أنهم دعوا ودعينا ، يعني إلى الإسلام فأسرعوا وأبطأنا ، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر .

وقرئ أكثر بالثاء المثلثة .

وقال ابن عطية : وقوله : { أكبر درجات } ليس في اللفظ من أي شيء لكنه في المعنى ، ولا بد { أكبر درجات } من كل ما يضاف بالوجود أو بالفرض ، ورأى بعض العلماء أن هذه الدرجات والتفضيل إنما هو فيما بين المؤمنين .

وأسند الطبري في ذلك حديثاً « أن أنزل أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مشارق الأرض ومغاربها وقد أرضى الله الجميع فما يغبط أحد أحداً »