التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ وَلَلۡأٓخِرَةُ أَكۡبَرُ دَرَجَٰتٖ وَأَكۡبَرُ تَفۡضِيلٗا} (21)

قوله : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ) كيف في موضع نصب بالفعل ( فضلنا ) {[2660]} فضل الله بعض الناس على بعض في الرزق ، وفي غيره من مركبات الحياة الدنيا كالقوة والضعف ، والصحة والسقم ، وطول العمر وقصره ؛ فالناس في ذلك كله متفاوتون مثلما تقتضيه مشيئة الله وحكمته . أما أرزاق العباد ؛ فإنها تتفاوت بينهم بالنظر للتفاوت في القدرات والطاقات . وإنما تتحصل الأرزاق بفعل الجهود والنشاطات المبذولة . وهذه بين الناس متفاوتة تفاوتا ظاهرا ؛ فهم ما بين باذل كادح نشيط ، إلى قاعد متخاذل متثاقل . ومن ذكي فطن نبيه إلى غبي بليد أحمق . ومن محترٍّ متحفز غيور ، إلى فاتر باهت معزول . وباختلاف هاتيك القدرات والاستعدادات يختلف التحصيل لدى الناس ، وكذلك تختلف الأرزاق ليكون الناس بين مقلّ ومُكثر ، أو مفتقر وموسر . قال ابن كثير رحمه الله في كيفية التفضيل في الرزق بين العباد في الدنيا : فمنهم الغني والفقير وبين ذلك . والحسن والقبيح وبين ذلك . ومن يموت صغيرا ومن يعمر حتى يبقى شيخا كبيرا ، وبين ذلك .

قوله : ( وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) ( درجات ) ، منصوب على التمييز . وكذلك تفضيلا{[2661]} ، وذلك تأكيد على أن التفاوت في الآخرة بين العباد أكبر مما في الدنيا . فمن الناس يوم القيامة من يكون في عليين . ومنهم من يكون أسفل سافلين . حتى أهل الدرجات في الجنة يتفاوتون في منازلهم ، فمنهم الأعلون في الفردوس ، ومنهم دون ذلك ، وإن كانوا جميعا في درجات النعيم . وكذلك أهل الدركات في النار تتفاوت أحوالهم في العذاب بين شديد حارق ، أو أشد احترارا وتحريقا . فكلا الفريقين متفاوتون .


[2660]:- البيان لابن الأنباري جـ2 ص 88.
[2661]:- البيان لابن الأنباري جـ2 ص 88.