وقوله : فَيَعْتَذِرُونَ رفعا عطفا على قوله : وَلا يُؤْذَنَ لَهُمْ وإنما اختير ذلك على النصب وقبله جحد ، لأنه رأس آية قرن بينه وبين سائر رؤوس الاَيات التي قبلها ، ولو كان جاء نصبا كان جائزا ، كما قال : لا يقضى عليهم فيموتوا ، وكلّ ذلك جائز فيه ، أعني الرفع والنصب ، كما قيل : مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ رفعا ونصبا .
وعطف { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } على جملة { لا ينطقون } ، أي لا يؤذن إذناً يتفرع عليه اعتذارهم ، أي لا يؤذن لهم في الاعتذار . فالاعتذار هو المقصود بالنفي ، وجعل نفي الإِذن لهم توطئة لنفي اعتذارهم ، ولذلك جاء { فيعتذرون } مرفوعاً ولم يجىء منصوباً على جواب النفي إذ ليس المقصود نفي الإِذن وترتّب نفي اعتذارهم على نفي الإِذن لهم إذ لا محصول لذلك ، فلذلك لم يكن نصب { فيعتذرون } مساوياً للرفع بل ولا جائزاً بخلاف نحو { لا يُقضى عليهم فيموتوا } [ فاطر : 36 ] فإن نفي القضاء عليهم وهم في العذاب مقصود لذاته لأنه استمرار في عذابهم ثم أجيب بأنه لو قُضي عليهم لماتوا ، أي فقَدوا الإِحساس ، فمعنى الجوابية هنالك مما يقصد . ولذا فلا حاجة هنا إلى ما ادعاه أبو البقاء أن { فيعتذرون } استئناف تقديره : فهم يعتذرون ، ولا إلى ما قاله ابن عطية تبعاً للطبري : إنه ينصب لأجل تشابه رؤوس الآيات ، وبعد فإن مناط النصب في جواب النفي قصدُ المتكلم جعْلَ الفعل جواباً للنفي لا مجرد وجود فعل مضارع بعد فعل منفي .
واعلم أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين الآيات التي جاء فيها ما يقضي أنهم يعتذرون نحو قوله تعالى : { قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل } [ غافر : 11 ] لأن وقت انتفاء نطقهم يوم الفصل .
وأما نطقهم المحكي في قوله : { ربنا أمتنا اثنتين فذلك صراخهم في جهنم بعد انقضاء يوم الفصل ، وبنحو هذا أجاب ابن عباس نافع بنَ الأزرق حين قال نافع : إنِّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ قال الله : { ولا يتساءلون } [ المؤمنون : 101 ] ، وقال : { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } [ الصافات : 27 ] فقال ابن عباس : لا يتساءلون في النفخة الأولى حين نُفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض فلا يتساءلون حينئذٍ ، ثم في النفخة الثانية أقبل بعضهم على بعض يتساءلون . والذي يجمع الجواب عنْ تلك الآيات وعن أمثالها هو أنه يجب التنبه إلى مسألة الوحدات في تحقق التناقض .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ليس أنه لا يقبل العذر منهم إذا أتوا به، ولكن معناه: أنه لا عذر لهم ليقبل منهم، وهو كقوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] معناه: أنه لا شفيع لهم، لا أنهم إذا أتوا بشفعاء لم يشفع لهم، وإذا لم يكن عذر لهم فهم لا يعتذرون بعذر.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(ولا يؤذن لهم) فالإذن: الإطلاق في الفعل، تقول: يسمع بالإذن، فهذا أصله، وقد كثر استعماله حتى صار كل دليل ظهر به أن للقادر أن يفعل كذا فهو أذن له، وكل ما اطلق الله فيه بأي دليل كان، فقد أذن فيه.
(فيعتذرون) فالاعتذار: الانتفاء من خلاف المراد بالمانع من المراد، وليس لأحد عذر في معصية الله؛ لأنه تعالى لا يكلف نفسا ما لا يطاق، وقد يكون له عذر في معصية غيره؛ لأنه قد يكلف خلاف الصواب وقد يكلف ما لا يمكن لعارض من الاسباب.
(فيعتذرون)...قال الفراء: تقديره لا ينطقون ولا يعتذرون.
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
قال الجنيد: أي لا عذر لمن أعرض عن منعمه وكفر بأياديه ونعمه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
لا يكون لهم إذن واعتذار متعقب له، من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن ولو نصب لكان مسبباً عنه لا محالة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كانوا لا يقدرون على شيء ما إلا بإذن الله، وكان الموجع لهم عدم الإذن، بني للمفعول قوله دلالة- على عدم ناصر لهم أو فرج يأتيهم: {ولا يؤذن} أي من آذن ما {لهم} أي في كلام أصلاً.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} على جملة {لا ينطقون}، أي لا يؤذن إذناً يتفرع عليه اعتذارهم أي لا يؤذن لهم في الاعتذار. فالاعتذار هو المقصود بالنفي، وجعل نفي الإِذن لهم توطئة لنفي اعتذارهم، ولذلك جاء {فيعتذرون} مرفوعاً ولم يجيء منصوباً على جواب النفي إذ ليس المقصود نفي الإِذن وترتّب نفي اعتذارهم على نفي الإِذن لهم إذ لا محصول لذلك، فلذلك لم يكن نصب {فيعتذرون} مساوياً للرفع بل ولا جائزاً بخلاف نحو {لا يُقضى عليهم فيموتوا} [فاطر: 36] فإن نفي القضاء عليهم وهم في العذاب مقصود لذاته لأنه استمرار في عذابهم ثم أجيب بأنه لو قُضي عليهم لماتوا، أي فقَدوا الإِحساس، فمعنى الجوابية هنالك مما يقصد. ولذا فلا حاجة هنا إلى ما ادعاه أبو البقاء أن {فيعتذرون} استئناف تقديره: فهم يعتذرون...
واعلم أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين الآيات التي جاء فيها ما يقضي أنهم يعتذرون نحو قوله تعالى: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل} [غافر: 11] لأن وقت انتفاء نطقهم يوم الفصل.
وأما نطقهم المحكي في قوله: {ربنا أمتنا اثنتين فذلك صراخهم في جهنم بعد انقضاء يوم الفصل، وبنحو هذا أجاب ابن عباس نافع بنَ الأزرق حين قال نافع: إنِّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ قال الله: {ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101]، وقال: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} [الصافات: 27] فقال ابن عباس: لا يتساءلون في النفخة الأولى حين نُفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض فلا يتساءلون حينئذٍ، ثم في النفخة الثانية أقبل بعضهم على بعض يتساءلون. والذي يجمع الجواب عنْ تلك الآيات وعن أمثالها هو أنه يجب التنبه إلى مسألة الوحدات في تحقق التناقض.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.