قوله : { وَلاَ يُؤْذَنُ } العامة : على عدم تسمية الفاعل . وحكى الأهوازي عن زيد بن{[59071]} علي : «ولا يَأذَنُ » سمى الفاعل ، وهو الله تعالى .
وقوله : فيعتذرون « . في رفعه وجهان :
أحدهما : أنه مستأنف ، أي فهم يعتذرون .
قال أبو البقاء : ويكون المعنى : أنهم لا ينطقون نطقاً ينفعهم ، أو ينطقون نطقاً في بعض المواقف ولا ينطقون في بعضها .
والثاني : أنه معطوف على » يؤذن «فيكون منفياً ، ولو نصب لكان متسبباً عنه .
وقال ابن عطيَّة : «ولم ينصب في جواب النَّفْي لتشابه{[59072]} رءوس الآي ، والوجهان جائزان » .
فظهر من كلامه أنهما بمعنى واحد ، وليس كذلك بل المرفوع له معنى غير معنى المنصوب ، وإلى هذا ذهب الأعلم إلى أن الفعل قد يرتفع ويكون معناه النصب ، ورد عليه ابن عصفور .
قال الفرَّاء في قوله : » وَلاَ يُؤْذَنُ لهُمْ فيَعْتَذِرُون :َ «الفاء نسق ، أي عطف على «يؤذن » ، وأجيز ذلك ، لأن آخر الكلام بالنون ، ولو قال : فيعتذروا ، لم يوافق الآيات ، وقد قال : { لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } [ فاطر : 36 ] ، بالنصب ، وكل صواب ، ومثله : { مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ } [ البقرة : 245 ] ، بالرفع والنصب .
هذا نوع آخر من أنواع تخويف الكفار ، لأن الله - تعالى - بين أنه ليس لهم عذر ولا حجة فيما أتوا به من القبائح ، ولا لهم قدرة على رفع العذاب عن أنفسهم ، واعلم أن يوم القيامة له مواطن ومواقيت ، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيها ولا يعتذرون .
روى عكرمة : أن ابن عباس - رضي الله عنهما - سأله ابن الأزرق عن قوله تعالى : { هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } و { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] ، وقد قال تعالى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الطور : 25 ] . فقال له : إن الله - تعالى - يقول : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [ الحج : 47 ] فإن لكل مقدار من هذه الأيام لوناً من هذه الألوان{[59073]} .
وقال الحسن : فيه إضمار ، أي هذا يوم لا ينطقون فيه بحجة نافعة ، ومن نطق بما لا ينفع ولا يفيد ، فكأنه ما نطق ، كما يقال لمن ذكر كلاماً غير مفيد : ما قلت شيئاً{[59074]} ، وقيل : إن هذا وقت جوابهم : { اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] .
قال الفراء : أراد بقوله : «لا ينطقون » تلك الساعة ، وذلك القدر من الوقت الذي لا ينطقون فيه ، كما تقول : آتيك يوم يقدم فلان ، والمعنى : ساعة يقدم ، وليس باليوم كله ؛ لأن القدوم إنما يكون في وقت يسير ولا يمتد في كل اليوم .
وأجاب ابن الخطيب{[59075]} : بأن قوله تعالى { لاَ يَنطِقُونَ } لفظ مطلق ، والمطلق لا يفيد العموم لا في الأنواع ، ولا في الأوقات ، بدليل أنك تقول : فلان لا ينطق بالشر ولكنه ينطق بالخير ، وتارة تقول : فلان لا ينطق شيئاً ألبتة ، فهذا يدل على أن مفهوم «لا ينطق » مشترك بين الدائم والمؤقت ، وإذا كان كذلك فمفهوم «لا ينطق » يكفي في صدقه عدم النطق ببعض الأشياء ، وفي بعض الأوقات ، وذلك لا ينافي حصول النطق بشيء آخر في وقت آخر ، فيكتفى في صدق قوله : «لا يَنطقُونَ » أنهم لا ينطقون بعذر وعلة في وقت واحد ، وهو وقت السؤال .
فإن قيل : لو حلف لا ينطق في هذا اليوم حنث في قطعه في جزء منه . قلنا : ذلك لعرف الإيمان وبحثنا في عرف اللفظ من حيث هو .
قال ابن الخطيب{[59076]} : فإن قيل : قوله : { ولا يُؤذنُ لهُم فيَعتَذِرُونَ } يوهم أن لهم عذراً ، وقد منعوا من ذكره ، فهم لا يؤذن لهم في ذكر ذلك العذر الفاسد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.