معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَلَا يُؤۡذَنُ لَهُمۡ فَيَعۡتَذِرُونَ} (36)

وقوله عز وجل : { هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } .

اجتمع القراء على رفع اليوم ، ولو نُصب لكان جائزا على جهتين : إحداهما أن العرب إذا أضافت اليوم والليلة إلى فعلَ أو يفعل ، أو كلمة مجملةٍ لا خفض فيها نصبوا اليوم في موضع الخفض والرفع ، فهذا وجه . والآخر : أن تجعل هذا في معنى : فِعلٍ مجمَلٍ من «لا ينطقون » وعيدُ الله وثوابه فكأنك قلت : هذا الشأن في يومِ لا ينطقون . والوجه الأول أجود ، والرفع أكثر في كلام العرب . ومعنى قوله : هذا يومُ لا ينطقون ولا يعتذرون في بعض الساعات في ذلك اليوم . وذلك في هذا النوع بيّن . تقول في الكلام : آتيك يوم يقدُم أبوك ، ويوم تقدَم ، والمعنى ساعة يقدم وليس باليوم كله ولو كان يوما كلّه في المعنى لما جاز في الكلام إضافته إلى فعل ، ولا إلى يَفعَل ، ولا إلى كلام مجمل ، مثل قولك : آتيتك حين الحجاجُ أميرٌ .

وإنما استجازت العربُ : أتيتك يوم مات فلان ، وآتيتك يوم يقدم فلان ؛ لأنهم يريدون : أتيتك إذ قدم ، وإذا يقدَم ؛ فإذ وإذا لا تطلبان الأسماء ، وإنما تطلبان الفعل . فلما كان اليوم والليلة وجميع المواقيت في معناهما أضيفا إلى فعلَ ويفعَلُ وإلى الاسم المخبر عنه ، كقول الشاعر :

[ 122/ب ] أزمان من يرد الصنيعة يصطنع *** مِننا ، ومن يرد الزهادة يزهد

وقوله عز وجل : { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } .

نويت بالفاء أن يكون نسقا على ما قبلها ، واختير ذلك لأن الآيات بالنون ، فلو قيل : فيعتذروا لم يوافق الآيات . وقد قال الله جل وعز : { لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا } بالنصب ، وكلٌّ صواب . مثله : { مَنْ ذَا الذي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَنا فَيُضَاعِفهُ } و( فيضاعفَه ) ، قال : قال أبو عبد الله : كذا كان يقرأ الكسائي ، والفراء ، وحمزة ، ( فيضاعفُه ) .