مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَا يُؤۡذَنُ لَهُمۡ فَيَعۡتَذِرُونَ} (36)

السؤال الثاني : قوله : { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } يوهم أن لهم عذرا وقد منعوا من ذكره ، وهذا لا يليق بالحكيم ( والجواب ) أنه ليس لهم في الحقيقة عذر ولكن ربما تخيلوا خيالا فاسدا أن لهم فيه عذرا ، فهم لا يؤذن لهم في ذلك ذكر العذر الفاسد ، ولعل ذلك العذر الفاسد هو أن يقول : لما كان الكل بقضائك وعلمك ومشيئتك وخلقك فلم تعذبني عليه ، فإن هذا عذر فاسد إذ ليس لأحد أن يمنع المالك عن التصرف في ملكه كيف شاء وأراد ، فإن قيل : أليس أنه قال : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وقال : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا } والمقصود من كل ذلك أن لا يبقى في قلبه ، أن له عذرا ، فهب أن عذره في موقف القيامة فاسد فلم لا يؤذن له في ذكره حتى يذكره ، ثم يبين له فساده ؟ قلنا : لما تقدم الأعذار والإنذار في الدنيا بدليل قوله : { فالملقيات ذكرا ، عذرا أو نذرا } كان إعادتها غير مفيدة .

السؤال الثالث : لم لم يقل : ولا يؤذن لهم فيعتذرون ؟ كما قال : { لا يقضى عليهم فيموتوا } ( الجواب ) الفاء هاهنا للنسق فقط ، ولا يفيد كونه جزاء البتة ومثله { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له } بالرفع والنصب ، وإنما رفع يعتذرون بالعطف لأنه لو نصب لكان ذلك يوهم أنهم ما يعتذرون لأنهم لم يؤذنوا في الاعتذار ، وذلك يوهم أن لهم فيه عذرا منعوا عن ذكره وهو غير جائز . أما لما رفع كان المعنى أنهم لم يؤذنوا في العذر وهم أيضا لم يعتذروا لا لأجل عدم الإذن بل لأجل عدم العذر في نفسه ، ثم إن فيه فائدة أخرى وهي حصول الموافقة في رءوس الآيات لأن الآيات بالواو والنون ، ولو قيل : فيعتذروا لم تتوافق الآيات ، ألا ترى أنه قال في سورة اقتربت الساعة : { إلى شيء نكر } فثقل لأن آياتها مثقلة ، وقال في موضع آخر : { وعذبناها عذابا نكرا } وأجمع القراء على تثقيل الأول وتخفيف الثاني ليوافق كل منهما ما قبله .