معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡتَنكَفُواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (173)

قوله تعالى : { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله } من تضعيف ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

قوله تعالى : { وأما الذين استنكفوا واستكبروا } ، عن عبادته .

قوله تعالى : { فيعذبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡتَنكَفُواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (173)

ثم فصل حكمه فيهم فقال : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي : جمعوا بين الإيمان المأمور به ، وعمل الصالحات من واجبات ومستحبات ، من حقوق الله وحقوق عباده .

{ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ } أي : الأجور التي رتبها على الأعمال ، كُلٌّ بحسب إيمانه وعمله .

{ وَيَزِيدُهُم مِن فَضْلِهِ } من الثواب الذي لم تنله أعمالهم ولم تصل إليه أفعالهم ، ولم يخطر على قلوبهم . ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشارب ، والمناكح ، والمناظر والسرور ، ونعيم القلب والروح ، ونعيم البدن ، بل يدخل في ذلك كل خير ديني ودنيوي رتب على الإيمان والعمل الصالح .

{ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا } أي : عن عبادة الله تعالى { فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } وهو سخط الله وغضبه ، والنار الموقدة التي تطلع على الأفئدة .

{ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } أي : لا يجدون أحدا من الخلق يتولاهم فيحصل لهم المطلوب ، ولا مَن ينصرهم فيدفع عنهم المرهوب ، بل قد تخلى عنهم أرحم الراحمين ، وتركهم في عذابهم خالدين ، وما حكم به تعالى فلا رادّ لحكمه ولا مغيّر لقضائه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡتَنكَفُواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (173)

يعني : فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسَعَة رحمته وامتنانه .

وقد روى ابن مَرْدُوَيه من طريق بَقِيَّة ، عن إسماعيل بن عبد الله الكندي ، عن الأعمش ، عن سفيان{[8781]} عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } قال : أجورهم : أدخلهم الجنة " . { وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } قال : " الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم " . {[8782]}

وهذا إسناد لا يثبت ، وإذا روي عن ابن مسعود موقوفًا فهو جيد{[8783]} .

{ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا } أي : امتنعوا من طاعة الله وعبادته واستكبروا عن ذلك { فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا } كما قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] أي : صاغرين حقيرين ذليلين ، كما كانوا ممتنعين مستكبرين .


[8781]:في أ: "شقيق".
[8782]:في أ: "في الدنيا".
[8783]:ورواه الطبراني في المعجم الكبير (10/248) من طريق بقية عن إسماعيل الكندي به.وقال الهيثمي في المجمع(7/13): "فيه إسماعيل بن عبد الله الكندي ضعفه الذهبي من عند نفسه، فقال: أتى بخبر منكر وبقية رجاله وثقوا".ورواه أبو نعيم في الحلية (4/108) من طريق ابن حمير عن الثوري عن شقيق عن عبد الله بن مسعود بنحوه، وقال: "غريب من حديث الأعمش، عزيز عجيب من حديث الثوري، تفرد به إسماعيل بن عبيد الله الكندي عن الأعمش، وعن إسماعيل بقية بن الوليد، وحديث الثوري لم نكتبه إلا عن هذا الشيخ".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡتَنكَفُواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (173)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مّن فَضْلِهِ وَأَمّا الّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } . .

يعني جلّ ثناؤه بذلك : فأما المؤمنون المقرّون بوحدانية الله ، الخاضعون له بالطاعة ، المتذللون له بالعبودية ، والعاملون الصالحات من الأعمال ، وذلك أن يردوا على ربهم ، قد آمنوا به وبرسله ، وعملوا بما أتاهم به رسله من عند ربهم ، من فعل ما أمرهم به ، واجتناب ما أمرهم باجتنابه فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُم يقول : فيؤتيهم جزاء أعمالهم الصالحة وافيا تاما . وَيَزِيُدهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يعني جلّ ثناؤه : ويزيدهم على ما وعدهم من الجزاء على أعمالهم الصالحة والثواب عليها من الفضل والزيادة ما لم يعرّفهم مبلغه ولم يحدّ لهم منتهاه . وذلك أن الله وعد من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة الواحدة عشر أمثالها من الثواب والجزاء ، فذلك هو أجر كل عامل على عمله الصالح من أهل الإيمان المحدود مبلغه ، والزيادة على ذلك تفضل من الله عليهم ، وإن كان كل ذلك من فضله على عباده غير أن الذي وعد عباده المؤمنين أن يوفيهم فلا ينقصهم من الثواب على أعمالهم الصالحة ، هو ما حدّ مبلغه من العشر ، والزيادة على ذلك غير محدود مبلغها ، فيزيد من شاء من خلقه على ذلك قدر ما يشاء ، لا حدّ لقدره يوقف عليه . وقد قال بعضهم : الزيادة إلى سبعمائة ضعف . وقال آخرون : إلى ألفين . وقد ذكرت اختلاف المختلفين في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : وأمّا الّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فإنه يعني : وأما الذين تعظموا عن الإقرار لله بالعبودة والإذعان له بالطاعة ، واستكبروا عن التذلل لألوهته وعبادته وتسليم الربوبية والوحدانية له . فَيُعَذّبُهُمْ عَذَابا ألِيما يعني : عذابا موجعا . وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيمّا وَلا نَصِيرا يقول : ولا يجد المستنكفون من عبادته والمستكبرون عنها إذا عذبهم الله الأليم من عذابه سوى الله لأنفسهم وليا ينجيهم من عذابه وينقذهم منه . ولا نصيرا : ولا ناصرا ينصرهم ، فيستنقذهم من ربهم ، ويدفع عنهم بقوّته ما أحلّ بهم من نقمته ، كالذي كانوا يفعلون بهم إذا أرادهم غيرهم من أهل الدنيا في الدنيا بسوء من نصرتهم والمدافعة عنهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡتَنكَفُواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (173)

ضمير { ولا يجدون } عائد إلى { الَّذين استنكفوا واستكبروا } ، أي لا يجدون وليّاً حين يحشر الله النّاس جميعاً . ويجوز أن يعود إلى الَّذين { استنكفوا واستكبروا } ويكون { جميعاً } بمعنى مجموعين إلى غيرهم ، منصوباً ، فإنّ لفظ جميع له استعمالات جمّة : منها أن يكون وصفاً بمعنى المجتمع ، وفي كلام عمر للعبّاس وعليّ : « ثم جئتُماني وأمركما جميع » أي متّفق مجموع ، فيكون منصوباً على الحال وليس تأكيداً . وذكر فريق المؤمنين في التفصيل يدلّ على أحد التقديرين .

والتوفية أصلها إعطاء الشيء وافياً ، أي زائداً على المقدار المطلوب ، ولمّا كان تحقّق المساواة يخفَى لقلّة المَوازين عندهم ، ولاعتمادهم على الكيل ، جعلوا تحقّق المساواة بمقدار فيه فضْل على المقدار المساوي ، أطلقت التوفية على إعطاء المعادل ؛ وتُقابَل بالخسان وبالغبن ، قال تعالى حكاية عن شعيب { أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين } [ الشعراء : 181 ] ولذلك قال هنا : { ويزيدُهم من فضله } ، وهذه التوفية والزيادة يرجعان إلى تقدير يعلمه الله تعالى .

وقوله : { ولا يجدون لهم من دون الله وليّاً ولا نصيراً } تأييس لهم إذ قد عرف عند العرب وغيرهم ، من أمم ذلك العصر ، الاعتماد عند الضيق على الأولياء والنصراء ليكفّوا عنهم المصائب بالقتال أو الفداء ، قال النابغة :

يأمُلْنَ رِحلة نَصر وابن سيَّار

ولذلك كثر في القرآن نفي الوليّ ، والنصير ، والفداء { فلَن يُقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم من ناصرين } [ آل عمران : 91 ] .