الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡتَنكَفُواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (173)

قوله : ( يَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ . . . ) الآية [ 172 ] .

معنى ( وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ ) : أي : آلهتنا( {[14132]} ) ثلاثة .

( انْتَهُوا خَيْراً( {[14133]} ) لَّكُمُ )( {[14134]} ) نصب ( خَيْراً ) عند سيبويه على إضمار فعل دل عليه الكلام( {[14135]} ) لأنه أمرهم بالانتهاء عن الكفر والدخول في الإيمان( {[14136]} ) ، فالمعنى : وأتوا خيراً لكم . قال : لأنك إذا قلت أنتم فأنت تخرجه من شيء ، وتدخله في آخر ، ومثله عنده .

قواعد من( {[14137]} ) سر حتى ملك( {[14138]} ) أو الربا بينهما( {[14139]} ) أسهلا( {[14140]} )

والمعنى : وآت أسهلا .

ومذهب أبي عبيدة أنه خبر كان ، والتقدير يكن خيراً لكم( {[14141]} ) ، ورد ذلك المبرد لأنه يضمر الشرط وإضماره لا يحسن( {[14142]} ) .

ومذهب الفراء أنه نعت لمصدر محذوف كأنه قال : انتهوا انتهاء خيراً لكم( {[14143]} ) .

قوله : ( سُبْحَانَهُ ) انتصب( {[14144]} ) انتصاب المصدر .

و( أَنْ يَّكُونَ ) إن في موضع [ نصب ]( {[14145]} ) بحذف الخافض المحذوف ، [ والتقدير على أن يكون( {[14146]} ) ، وقد قيل( {[14147]} ) : في موضع خفض بإعمال الخافض المحذوف ]( {[14148]} ) .

ومعنى الآية : أنها خطاب للنصارى( {[14149]} ) .

فمعنى : ( لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ) أي : " لا تجاوزوا الحق في دينكم .

( وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ [ إِلاَّ الحَقَّ ]( {[14150]} ) ) أي : لا تقولوا في عيسى إلا الحق فإن قولكم في عيسى غير الحق إذ تقولون إنه : ابن الله ، فهذا قولهم على الله غير الحق .

و( المَسِيحُ ) فعيل بمعنى مفعول بمعنى ممسوح وسمي بذلك لأن الله مسحه من الذنوب والأدناس( {[14151]} ) .

وقد قيل : إنها لفظة أعجمية أصلها مشيحا فأعرب فقيل المسيح ، وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع بأشبع من هذا التفسير( {[14152]} ) .

ومعنى : ( وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) الكلمة هنا الرسالة التي أمر الله ملائكته أن تأتي بها مريم مبشرة من الله لها( {[14153]} ) التي ذكرها الله في آل عمران .

قال قتادة : كلمته [ قوله ]( {[14154]} ) ( كُنْ فَيَكُونُ )( {[14155]} ) .

ومعنى : ( أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) أعلمها بها وأخبرها ، كما تقول : ألقيت إليك كلمة حسنة ، بمعنى أعلمتك ، بها .

ومعنى : ( وَرُوحٌ مِّنْهُ ) أي : ونفخ منه ، وذلك أنه حدث عيسى في بطن أمه بأمر الله ، وتقديره من غير ذكر من نفخة جبريل عليه السلام في درع مريم بأمر الله إياه ، فنسبه تعالى إليه لأنه عن أمره كان( {[14156]} ) .

وسمي النفخ روحاً : لأنه ريح تخرج من الروح .

وقيل : معنى : ( وَرُوحٌ مِّنْهُ ) : أنه كان بإحياء الله إياه بقوله ( كُن ) فمعناه وحياة منه( {[14157]} ) .

وقيل : معنى : ( وَرُوحٌ مِّنْهُ ) ورحمة منه كما قال ( وَأَيَّدَهُمْ برُوحٍ مِّنْهُ )( {[14158]} ) فمعنى برحمة منه أي جعله رحمة لمن تبعه وصدقه .

كما قال : ( وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً( {[14159]} ) مِّنَّا )( {[14160]} ) .

وقال أُبي بن كعب [ في قوله ]( {[14161]} ) ( وَإِذَاَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ )( {[14162]} ) الآية .

قال : أخذهم فجعلهم أرواحاً ، ثم صورهم ثم ، استنطقهم ، فكان روح عيسى عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد ، والميثاق فأرسل تلك الروح إلى مريم ، فدخل في فيها فحملت فهو قوله ( وَرُوحٌ مِّنْهُ )( {[14163]} ) .

وقيل : الروح في الآية معطوف على المضمر في ( أَلْقَاهَا ) والمضمر اسم الله ، والروح اسم جبريل كان تقديره : ألقى الله وجبريل الكلمة إلى مريم ، كما قال :

( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَمِينُ )( {[14164]} ) وهو جبريل عليه السلام( {[14165]} ) .

وقيل معنى : ( وَرُوحٌ مِّنْهُ ) وبرهان منه لمن اتبعه ، وذلك ما أنزل عليه من كتابه ، وسمي البرهان روحاً ، لأنه يحيى به من قبله( {[14166]} ) .

قوله : ( لَّنْ يَّسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ . . . ) الآية [ 172-173 ] .

( أَنْ ) في موضع نصب ، أي : من إن ، أو : عن إن( {[14167]} ) .

والمعنى : ( لَّنْ يَّسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ ) و( لاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) أن يقروا بالعبودية لله والإذعان له( {[14168]} ) .

و( الْمُقَرَّبُونَ ) هم من قرب منهم من الله في المنزلة لا قرب المسافة .

وقيل : هم من قرب منهم من السماء السابعة قاله الضحاك( {[14169]} ) .

وفي هذا اللفظ دليل على فضل الملائكة على بني آدم .

ومعنى : ( لَّنْ يَّسْتَنْكِفَ ) لن يتعظم( {[14170]} ) ويستكبر .

( وَمَنْ يَّسْتَنْكِفْ ) أي يتعظم( {[14171]} ) من عبادته ويستكبر عنها .

( فَسَيَحْشُرُهُمُ إِلَيْهِ جَمِيعاً ) أي يبعثهم ، فأما المؤمنون وهم المقرون بالوحدانية ( لِيُوَفِّيَهُمُ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ ) [ بعد ذلك ]( {[14172]} ) تفضلاً منه . [ وذلك أنه تعالى [ وعد ]( {[14173]} ) المؤمنين للحسنة عشر أمثالها ، ثم يزيدهم تفضلاً منه ]( {[14174]} ) ما شاء غير محدود( {[14175]} ) .

وقيل : الزيادة إلى سبعمائة ضعف ، وقيل إلى ألفين( {[14176]} ) .

قوله : ( وَأَمَّا الذِينَ اسْتَكنكَفُوا )( {[14177]} ) أي " تعظموا عن عبادته " ( وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً اَلِيماً ) أي مؤلماً .

( وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ) أي : يستنقذهم من عذاب الله( {[14178]} ) .


[14132]:- (د): إلهنا.
[14133]:- (أ): خير وهو خطأ.
[14134]:- ساقط من (د).
[14135]:- انظر: الكتاب 1/282- ومعاني الزجاج 2/134.
[14136]:- (د): الأفعال وهو خطأ.
[14137]:- كذا وهو خطأ صوابه: قواعديه، وبه وردت الرواية في الديوان.
[14138]:- كذا وهو خطأ صوابه: مالك.
[14139]:- (أ): بينهم.
[14140]:- هذا البيت لعمر بن أبي ربيعة، من البحر السريع في ديوانه من قصيدة مطلعها: أرسلت كما عيل صبري إلى ............. والبيت الذي استشهد به مكي أثبته محقق الديوان كرواية ثانية للبيت المثبت في متن القصيدة وهو: وواعديه سدرتي مالك أو ذا الذي بينهما أسهلا ص: 349 – وسدرتي مالك: اسم مكان. والشاعر هو أبو الخطاب عمر بن أبي ربيعة المخزومي توفي 93 هـ من أرق الشعراء كثير الغزل يعد من طبقة جرير والفرزدق. انظر: الشعر والشعراء: 457، والأغاني 1/71. والشاهد في البيت هو إضمار فعل قبل "أسهلا" فيعرب على أن مفعول به لفعل محذوف تقديره: وأت-واقصد.
[14141]:- تقدم هذا فلا وجه لإعادته.
[14142]:- انظر: المقتضب 3/283.
[14143]:- انظر: معاني الفراء 1/295.
[14144]:- هو أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل المعروف بالأخفش الصغير توفي 315 هـ من علماء النحو واللغة، انظر: إنباه الرواة 2/267، وإشارة التعيين 219 وبغية الوعاة 2/167.
[14145]:- عن إعراب النحاس 1/476.
[14146]:- (أ): ذا نصب وهو خطأ.
[14147]:- ساقط من (أ).
[14148]:- عن إعراب النحاس 1/476.
[14149]:- عزاه الفراء للكسائي. انظر: معاني الفراء 1/296.
[14150]:- ساقط من (ج).
[14151]:- انظر: جامع البيان 6/35، واللسان 2/594.
[14152]:- يشير مكي إلى ما تقدم في آل عمران.
[14153]:- عبارة الطبري: بشارة من الله لها، جامع البيان 6/65.
[14154]:- ساقط من (أ).
[14155]:- انظر: جامع البيان 6/35.
[14156]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 6/35-36.
[14157]:- انظر: المصدر السابق.
[14158]:- المجادلة آية 21.
[14159]:- مريم آية 20.
[14160]:- انظر: جامع البيان 6/36.
[14161]:- ساقط من (د).
[14162]:- الأعراف آية 172.
[14163]:- انظر: جامع البيان 6/36.
[14164]:- الشعراء آية 142.
[14165]:- انظر: جامع البيان 6/36.
[14166]:- انظر: الجامع للأحكام 6/23.
[14167]:- انظر: إعراب النحاس 1/476، ومشكل الإعراب 1/213.
[14168]:- وإنما صح ذلك لأن "أن" متعلقة بما قبلها. انظر: القطع: 279.
[14169]:- جامع البيان 6/38.
[14170]:- (ج): يستعظم.
[14171]:- (ج): يستعظم.
[14172]:- ساقط من هـ.
[14173]:- ساقط من (أ).
[14174]:- ساقط من (ج).
[14175]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 6/38.
[14176]:- انظر: المصدر السابق.
[14177]:- يقال استنكف إذا استكبر، ومعنى لن يستنكف لن يأنف، ولن يمتنع من عبادة الله وعبوديته انظر: المفردات 527، واللسان: نكف: 9/340.
[14178]:- انظر: جامع البيان 6/39.