قوله تعالى : { وناديناه من جانب الطور الأيمن } يعني : يمين موسى ، والطور : جبل بين مصر ومدين . ويقال :اسمه الزبير وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار نودي { أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين } [ القصص : 30 ] . { وقربناه نجياً } أي : مناجياً ، فالنجي المناجي ، كما يقال : جليس ونديم . قال ابن عباس : معناه : قربه فكلمه ، ومعنى التقريب : إسماعه كلامه . وقيل : رفعه على الحجب حتى سمع صرير القلم .
{ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ } أي : الأيمن من موسى في وقت . مسيره ، أو الأيمن : أي : الأبرك من اليمن والبركة . ويدل على هذا المعنى قوله تعالى : { أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } والفرق بين النداء والنجاء ، أن النداء هو الصوت الرفيع ، والنجاء ما دون ذلك ، وفي هذه إثبات الكلام لله تعالى وأنواعه ، من النداء ، والنجاء ، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، خلافا لمن أنكر ذلك ، من الجهمية ، والمعتزلة ، ومن نحا نحوهم .
وقوله : { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ } أي : الجبل { الأيْمَنِ } أي : من جانبه الأيمن من موسى حين ذهب يبتغي من تلك النار جذوة ، رآها تلوح فقصدها ، فوجدها في جانب الطور الأيمن منه{[18877]} ، عند شاطئ الوادي . فكلمه الله تعالى ، ناداه وقربه وناجاه{[18878]} . قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار{[18879]} ، حدثنا يحيى - هو القطان - حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب{[18880]} ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قال : أدني حتى سمع{[18881]} صريف القلم .
وهكذا قال مجاهد ، وأبو العالية ، وغيرهم . يعنون صريف القلم بكتابة التوراة .
وقال السدي : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قال : أدخل في السماء فكلم ، وعن مجاهد نحوه .
وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قال : نجا بصدقه{[18882]}
قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الجبار بن عاصم ، حدثنا محمد بن سلمة الحراني ، عن أبي الوصل ، عن شهر بن حَوْشَب ، عن عمرو بن معد يكرب قال : لما قرب الله موسى نجيًا بطور سيناء ، قال : يا موسى ، إذا خلقت لك قلبًا شاكرًا ، ولسانًا ذاكرًا ، وزوجة تعين على الخير ، فلم أخزن عنك من الخير شيئًا ، ومن أخزن عنه هذا فلم أفتح له من الخير شيئًا .
القول في تأويل قوله تعالى . { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطّورِ الأيْمَنِ وَقَرّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : ونادينا موسى من ناحية الجبل ، ويعني بالأيمن : يمين موسى ، لأن الجبل لا يمين له ولا شمال ، وإنما ذلك كما يقال : قام عن يمين القبلة وعن شمالها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : مِنْ جانِبِ الطّورِ الأيمَنِ قال : جانب الجبل الأيمن .
وقد بيّنا معنى الطور واختلاف المختلفين فيه ، ودللنا على الصواب من القول فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقوله : وَقَرّبْناهُ نَجِيّا يقول تعالى ذكره : وأدنيناه مناجيا ، كما يقال : فلان نديم فلان ومنادمه ، وجليس فلان ومجالسه . وذُكر أن الله جلّ ثناؤه أدناه ، حتى سمع صريف القلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس وَقَرّبْناهُ نجِيّا قال : أُدْنيَ حتى سمع صريف القلم .
حدثنا محمد بن منصور الطّوسِيّ ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، قال : أراه عن مجاهد ، في قوله : وَقَرّبْناهُ نَجِيّا قال : بين السماء الرابعة ، أو قال : السابعة ، وبين العرش سبعون ألف حجاب : حجاب نور ، وحجاب ظلمة ، وحجاب نور ، وحجاب ظلمة فما زال يقرب موسى حتى كان بينه وبينه حجاب ، وسمع صَريف القلم قالَ رَبّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : قرّبه منه حتى سمع صريف القلم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن ميسرة وَقَرّبْناهُ نَجِيّا قال : أُدْنِيَ حتى سمع صريف القلم في اللوح ، وقال شعبة : أردفه جبرائيل عليه السلام .
حدثنا به الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَقَرّبْناهُ نَجِيّا قال : نجا بصدقه .
{ وناديناه من جانب الطور الأيمن } من ناحيته اليمنى من اليمين ، وهي التي تلي يمين موسى أو من جانبه الميمون من اليمن بأن تمثل له الكلام من تلك الجهة . { وقربناه } تقريب تشريف شبهه بمن قربه الملك لمناجاته . { نجيا } مناجيا حال من أحد الضميرين . وقيل مرتفعا من النجوة وهو الارتفاع لما روي أنه فوق السماوات حتى سمع صرير القلم .
وقوله { وناديناه } هو تكليم الله تعالى ، و { الطور } الجبل المشهور في الشام ، وقوله { الأيمن } صفة للجانب ، وكانت على يمين موسى بحسب وقوفه فيه ، وإلا فالجبل نفسه لا يمنة له ولا يسرة ولا يوصف بشيء من ذلك إلا بالاضافة الى ذي يمين ويسار ، ويحتمل أن يكون قوله { الأيمن } مأخوذاً من اليمن كأنه قال الأبرك والأسعد ، فيصح على هذا أن يكون صفة للجانب وللجبل بجملته ، وقوله ، { وقربناه نجياً } قال الجمهور هو تقريب التشريف بالكلام والنبوءة ، وقال ابن عباس : بل أدني موسى من الملكوت ورفعت له الحجب حتى سمع صريف الأقلام وقاله ميسرة ، وقال سعيد : أردفه جبريل ، و «النجي » ، فعيل من المناجاة وهي المسارّة بالقول ، وقال قتادة { نجياً } معناه نجا بصدقة وهذا مختل ، وإنما «النجي » المنفرد بالمناجاة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.