اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَنَٰدَيۡنَٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنِ وَقَرَّبۡنَٰهُ نَجِيّٗا} (52)

ثم قال : { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطور } يعني : يمين موسى ، والظاهر أنَّ الأيمن صفة للجانب ؛ بدليل أنه تبعه في قوله تعالى : { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن } [ طه : 80 ] وقيل : إنه صفة للطُّور ، إذا اشتقاقهُ من اليُمْن والبركة ، والطُّور : جبلٌ بين مصر ومدين ، ويقالُ : إنَّ اسمه الزُّبير ، وذلك حين أبل من مدين ، ورأى النَّار ، فنودي { يا موسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين } [ القصص : 30 ] .

قوله تعالى : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } ، أي : مناجياً ، والنجيُّ : المناجي ؛ كما يقالُ : جليسٌ ونديمٌ ، و " نجيَّا " حالٌ من مفعول " قرَّبناهُ " وأصله " نجيوا " لأنه من نجا يَنْجُو .

قال ابنُ عبَّاس{[21656]} - رضي الله عنه- معناهُ : قرَّبه وكلَّمه .

وقيل : أنجيناه من أعدائه ، ومعنى التقريب : إسماعه كلامهُ .

وقيل : رفعه على الحُجُب ؛ حتَّى سمع صرير القلم ؛ حيث تكتبُ التوراةُ في الألواح ، وهو قولُ أبي العالية .

قال القاضي{[21657]} : المرادُ بالقرب : أنَّه رفع قدره ، وشرَّفه بالمُنَاجاة ؛ لأنَّ استعمال القُرْب في الله ، قد صار في التعارف لا يرادُ به إلا المنزلةُ ؛ كما يقالُ في العبادة : تقرُّب ، وفي الملائكة - عليهم السلام- : إنَّهم مقرَّبُون .


[21656]:ينظر: معالم التنزيل 3/198.
[21657]:ينظر: الفخر الرازي 21/198.