{ 61 - 65 } { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
تدبر هذه الآيات الكريمات ، الدالة على سعة رحمة الله تعالى وجزيل فضله ، ووجوب شكره ، وكمال قدرته ، وعظيم سلطانه ، وسعة ملكه ، وعموم خلقه لجميع الأشياء ، وكمال حياته ، واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة ، وما فعله من الأفعال الحسنة ، وتمام ربوبيته ، وانفراده فيها ، وأن جميع التدبير في العالم العلوي والسفلي في ماضي الأوقات وحاضرها ، ومستقبلها بيد الله تعالى ، ليس لأحد من الأمر شىء ، ولا من القدرة شيء ، فينتج من ذلك ، أنه تعالى المألوه المعبود وحده ، الذي لا يستحق أحد من العبودية شيئًا ، كما لم يستحق من الربوبية شيئًا ، وينتج من ذلك ، امتلاء القلوب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه ، وهذان الأمران -وهما معرفته وعبادته- هما اللذان خلق الله الخلق لأجلهما ، وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده ، وهما الموصلان إلى كل خير وفلاح وصلاح ، وسعادة دنيوية وأخروية ، وهما اللذان هما أشرف عطايا الكريم لعباده ، وهما أشرف اللذات على الإطلاق ، وهما اللذان إن فاتا ، فات كل خير ، وحضر كل شر .
فنسأله تعالى أن يملأ قلوبنا بمعرفته ومحبته ، وأن يجعل حركاتنا الباطنة والظاهرة ، خالصة لوجهه ، تابعة لأمره ، إنه لا يتعاظمه سؤال ، ولا يحفيه نوال .
فقوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ } أي : لأجلكم جعل الله الليل مظلمًا ، { لِتَسْكُنُوا فِيهِ } من حركاتكم ، التي لو استمرت لضرت ، فتأوون إلى فرشكم ، ويلقي الله عليكم النوم الذي يستريح به القلب والبدن ، وهو من ضروريات الآدمي لا يعيش بدونه ، ويسكن أيضًا ، كل حبيب إلى حبيبه ، ويجتمع الفكر ، وتقل الشواغل .
{ و } جعل تعالى { النَّهَارَ مُبْصِرًا } منيرًا بالشمس المستمرة في الفلك ، فتقومون من فرشكم إلى أشغالكم الدينية والدنيوية ، هذا لذكره وقراءته ، وهذا لصلاته ، وهذا لطلبه العلم ودراسته ، وهذا لبيعه وشرائه ، وهذا لبنائه أو حدادته ، أو نحوها من الصناعات ، وهذا لسفره برًا وبحرًا ، وهذا لفلاحته ، وهذا لتصليح حيواناته .
{ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ } أي : عظيم ، كما يدل عليه التنكير { عَلَى النَّاسِ } حيث أنعم عليهم بهذه النعم وغيرها ، وصرف عنهم النقم ، وهذا يوجب عليهم ، تمام شكره وذكره ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } بسبب جهلهم وظلمهم . { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } الذين يقرون بنعمة ربهم ، ويخضعون للّه ، ويحبونه ، ويصرفونها في طاعة مولاهم ورضاه .
يقول تعالى ممتنا على خلقه ، بما جعل لهم من الليل الذي يسكنون فيه ويستريحون من حركات ترددهم في المعايش بالنهار ، وجعل النهار مبصرا ، أي : مضيئا ، ليتصرفوا فيه بالأسفار ، وقطع الأقطار ، والتمكن من الصناعات ، { إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ } {[25589]} أي : لا يقومون بشكر نعم{[25590]} الله عليهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنّهَارَ مُبْصِراً إِنّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : الله الذي لا تصلح الألوهة إلا له ، ولا تنبغي العبادة لغيره ، الذي صفته أنه جعل لكم أيها الناس الليل سكنا لتسكنوا فيه ، فتهدؤوا من التصرفّ والاضطراب للمعاش ، والأسباب التي كنتم تتصرفون فيها في نهاركم والنّهارَ مُبْصِرا يقول : وجعل النهار مبصرا من اضطرب فيه لمعاشه ، وطلب حاجاته ، نعمة منه بذلك عليكم إنّ اللّهَ لَذُو فَضْلِ على النّاسِ يقول : إن الله لمتفضل عليكم أيها الناس بما لا كفء له من الفضل وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ يقول : ولكن أكثرهم لا يشكرونه بالطاعة له ، وإخلاص الألوهة والعبادة له ، ولا يد تقدمت له عنده استوجب بها منه الشكر عليها .
{ الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } لتستريحوا فيه بأن خلقه باردا مظلما ليؤدي إلى ضعف الحركات وهدوء الحواس . { والنهار مبصرا } يبصر فيه أو به ، وإسناد الإبصار إليه مجاز فيه مبالغة ولذلك عدل به عن التعليل إلى الحال : { إن الله لذو فضل على الناس } لا يوازيه فضل ، وللإشعار به لم يقل لمفضل . { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواقع النعم ، وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.