الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (61)

{ مُبْصِراً } من الإسناد المجازي ، لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار .

فإن قلت : لم قرن الليل بالمفعول له . والنهار بالحال ؟ وهلا كانا حالين أو مفعولاً لهما فيراعي حق المقابلة ؟ قلت : هما متقابلان من حيث المعنى ، لأن كل واحد منهما يؤدي مؤدى الآخر ، لأنه لو قيل : لتبصروا فيه ، فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازي ، ولو قيل : ساكناً - والليل يجوز أن يوصف بالسكون على الحقيقة ، ألا ترى إلى قولهم : ليل ساج ، وساكن لا ريح فيه - لم تتميز الحقيقة من المجاز .

فإن قلت : فهلا قيل : لمفضل ، أو لمتفضل ؟ قلت : لأن الغرض تنكير الفضل ، وأن يجعل فضلاً لا يوازيه فضل ، وذلك إنما يستوي بالإضافة .

فإن قلت : فلو قيل : ولكن أكثرهم ، فلا يتكرر ذكر الناس ؟ قلت : في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم ، وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه ، كقوله : { إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ } [ الزخرف : 15 ] { إِنَّ الإنسان لِرَبّهِ لَكَنُودٌ } [ العاديات : 6 ] ، { إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] .