الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (61)

أما قوله تعالى : { الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } .

أخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عيسى ابن مريم عليه السلام قال : يا معشر الحواريين الصلاة جامعة ، فخرج الحواريون في هيئة العبادة قد تضمرت البطون ، وغارت العيون ، واصفرت الألوان ، فسار بهم عيسى عليه السلام إلى فلاة من الأرض ، فقام على رأس جرثومة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم أنشأ يتلو عليهم آيات الله وحكمته فقال : يا معشر الحواريين اسمعوا ما أقول لكم . إني لأجد في كتاب الله المنزل الذي أنزل الله في الإِنجيل أشياء معلومة فاعملوا بها ، قالوا : يا روح الله وما هي ؟ قال : خلق الليل لثلاث خصال ، وخلق النهار لسبع خصال ، فمن مضى عليه الليل والنهار وهو في غير هذه الخصال خاصمه الليل والنهار يوم القيامة فخصماه . خلق الليل لتسكن فيه العروق الفاترة التي أتعبتها في نهارك ، وتستغفر لذنبك الذي كسبته في النهار ثم لا تعود فيه ، وتقنت فيه قنوت الصابرين . فثلث تنام ، وثلث تقوم ، وثلث تتضرع إلى ربك . فهذا ما خلق له الليل ، وخلق النهار لتؤدي فيه الصلاة المفروضة التي عنها تسأل وبها تُحاسَبْ وبر والديك ، وأن تضرب في الأرض تبتغي المعيشة معيشة يومك ، وأن تعود فيه ولياً لله تعالى كيما يتعهدكم الله برحمته ، وأن تشيعوا فيه جنازة كيما تنقلبوا مغفوراً لكم ، وأن تأمروا بمعروف وتنهوا عن منكر فهو ذروة الإِيمان وقوام الدين ، وأن تجاهد في سبيل الله تراحموا إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام في قبته . ومن مضى عليه الليل والنهار وهو في غير هذه الخصال خاصمه الله والنهار يوم القيامة وهو عند مليك مقتدر " .