فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (61)

ثم ذكر سبحانه بعض ما أنعم به على عباده فقال :

{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ } من الحركات في طلب الكسب لكونه جعله مظلما باردا تناسبه الراحة الظاهرية ، بالسكون والنوم الذي هو الموت الأصغر ، والراحة الحقيقة بالعبادة التي هي الحياة الدائمة { وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا } أي مضيئا لتبصروا فيه حوائجكم ، وتنصرفوا في طلب معايشكم ، وهو من الإسناد المجازي ، أي مبصرا فيه لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار .

{ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ } يتفضل عليهم بنعمه التي لا تحصى ، ولم يقل لمفضل أو لمتفضل لأن المراد تنكير الفضل ، وأن يجعل فضلا لا يوازيه فضل ، وذلك إنما يكون بالإضافة { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } النعم ولا يعترفون بها إما لجحودهم لها ولكفرهم بها ، كما هو شأن الكفار ، أو لإغفالهم للنظر وإهمالهم لما يجب من شكر المنعم وهم الجاهلون ، ولم يقل : ولكن أكثرهم حتى لا يتكرر ذكر الناس ، لأن في هذا التكرير تخصيصا لكفران النعمة بهم ، وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه كقوله { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } وقوله { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } .