قوله تعالى : { فإن زللتم } . أي ضللتم ، وقيل : ملتم ، يقال : زلت قدمه تزل زلاً وزللاً ، إذا دحضت ، قال ابن عباس : يعني الشرك ، قال قتادة : قد علم الله أنه سيزل زالون من الناس فتقدم في ذلك وأوعد فيه ليكون لديه الحجة عليه .
قوله تعالى : { من بعد ما جاءتكم البينات } . أي الدلالات الواضحات .
قوله تعالى : { فاعلموا أن الله عزيز } . في نقمته .
قوله تعالى : { حكيم } . في أمره ، فالعزيز : هو الغالب الذي لا يفوته شيء ، والحكيم : ذو الإصابة في الأمر .
ولما كان العبد لا بد أن يقع منه خلل وزلل ، قال تعالى : { فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ } أي : على علم ويقين { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
وفيه من الوعيد الشديد ، والتخويف ، ما يوجب ترك الزلل ، فإن العزيز القاهر{[135]} الحكيم ، إذا عصاه العاصي ، قهره بقوته ، وعذبه بمقتضى حكمته فإن من حكمته ، تعذيب العصاة والجناة .
وقوله : { فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ } أي : عدلتم عن الحق بعد ما قامت عليكم الحُجَجُ ، فاعلموا أن الله عزيز [ أي ]{[3721]} في انتقامه ، لا يفوته هارب ، ولا يَغلبه غالب . حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه ؛ ولهذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس : عزيز في نقمته ، حكيم في أمره . وقال محمد بن إسحاق : العزيز في نصره ممن كفر به إذا شاء ، الحكيم في عذره وحجته إلى عباده .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِن زَلَلْتُمْ مّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَيّنَاتُ فَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
يعني بذلك جل ثناؤه : فإن أخطأتم الحق ، فضللتم عنه ، وخالفتم الإسلام وشرائعه ، من بعدما جاءتكم حججي ، وبينات هداي ، واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون ، فاعلموا أن الله ذو عزّه ، لا يمنعه من الانتقام منكم مانع ، ولا يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره ومعصيتكم إياه دافع ، حكيم فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه بعد إقامته الحجة عليكم ، وفي غيره من أموره .
وقد قال عدد من أهل التأويل : إن البينات هي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن . وذلك قريب من الذي قلنا في تأويل ذلك ، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم والقرآن من حجج الله على الذين خوطبوا بهاتين الاَيتين . غير أن الذي قلناه في تأويل ذلك أولى بالحقّ ، لأن الله جل ثناؤه ، قد احتجّ على من خالف الإسلام من أخبار أهل الكتاب بما عهد إليهم في التوراة والإنجيل وتقدم إليه على ألسن أنبيائهم بالوصاة به ، فذلك وغيره من حجج الله تبارك وتعالى عليهم مع ما لزمهم من الحجج بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فلذلك اخترنا ما اخترنا من التأويل في ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله : فإنْ زَلَلْتُمْ :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : فإنْ زَلَلْتُمْ يقول : فإن ضللتم .
وحدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : فإنْ زَلَلْتُمْ قال : والزلل : الشرك .
ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله : مِنْ بَعْدَ ما جاءَتْكُمْ البَيّناتُ :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : مِنْ بَعْد ما جاءَتْكُمْ البَيّناتُ يقول : من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم .
وحدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج : فإنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمْ البَيّناتُ قال : الإسلام والقرآن .
وحدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : فاعْلَمُوا أنّ اللّهَ عَزيزٌ حَكِيمُ يقول : عزيز في نقمته ، حكيم في أمره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.