نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (209)

ولما أقام سبحانه وتعالى الأدلة على عظمته التي منها الوحدانية وأزال الشبه{[9155]} ومحا الشكوك وذكر بأنواع اللطف والبر إلى أن ختم الآيتين بما ذكر من ولايته وعداوة المضل عن طريقه{[9156]} سبب عن ذلك قوله{[9157]} { فإن زللتم{[9158]} } مشيراً بأداة الشك إلى أنهم صاروا إلى حالة من وضوح الطريق الواسع الأمكن الأمين المستقيم الأسلم يبعد معها{[9159]} كل البعد أن يزلوا{[9160]} عنه ولذلك{[9161]} قال : { من بعد ما جاءتكم البينات } أي بهذا الكتاب الذي لا ريب فيه . قال الحرالي : بينات التجربة شهوداً ونبأ عما مضى وتحققاً{[9162]} بما وقع ، وقال : إن{[9163]} التعبير بأن يشعر بأنهم يستزلون{[9164]} ، والتعبير بالماضي إشعار بالرجوع عنه رحمة من الله لهم كرحمته قبل لأبويهم حين أزلهما{[9165]} الشيطان فكما أزل{[9166]} أبويهم في الجنة عن محرم الشجرة أزلهم في الدنيا عن{[9167]} شجرة المحرمات من الدماء والأموال والأعراض - انتهى .

ولما كان الخوف حاملاً على لزوم{[9168]} طريق السلامة قال : { فاعلموا } فإن العلم أعون{[9169]} شيء على المقاصد { أن الله } الحاوي{[9170]} لصفات الكمال { عزيز } لا يعجزه من زل ولا يفوته من ضل { حكيم{[9171]} } يبرم ما لا يقدر أحد على نقض{[9172]} شيء منه .


[9155]:من م ومد، وفي الأصل: الشبة، وفي ظ: الشبهة.
[9156]:من م ومد وظ. وفي الأصل: طريقة.
[9157]:زيد من م وظ ومد.
[9158]:أي عصيتم وكفرتم أو أخطأتم أو ضللتم – أقوال ثانيها عن ابن عباس وهو الظاهر لقوله "ادخلوا في السلم" أي الإسلام فغن زللتم عن الدخول فيه، وأصل الزلل للقدم، يقال: زلت قدمه كما قال: ولا شامت إن نعل عزة زلت ثم يستعمل في الرأي والاعتقاد وهو الزلق – البحر المحيط 2 /123.
[9159]:من م ومد وظ، وفي الأصل: منها.
[9160]:من م وظ ومد، وفي الأصل: نزلوا.
[9161]:من م ومد وظ، وفي الأصل: كذلك.
[9162]:من م وظ ومد، وفي الأصل: تحقيقا.
[9163]:زيد من م وظ ومد.
[9164]:من م وظ ومد، وفي الأصل: يشتركون.
[9165]:من م وظ ومد، وفي الأصل: أزالهما.
[9166]:من م وظ، وفي الأصل ومد: أزال.
[9167]:كرره في الأصل: ثانيا.
[9168]:ليس في مد.
[9169]:في الأصل: عوان، والتصحيح من بقية الأصول.
[9170]:من م ومد وظ وفي الأصل: الحادي.
[9171]:وفي صفه هنا بالعزة التي هي تتضمن الغلبة والقدرة اللتين يحصل بها الانتقام وعيد شديد لمن خالفه وزل عن منهج الحق، وفي وصفه بالحكمة دلالة على إتقان أفعاله وان ما يرتبه من الزواجر لمن خالف هو من مقتضى الحكمة؛ وروى أن قارئا قرأ: غفور رحيم، فسمعه أعرابي فانكره ولم يكن يقرأ القرىن وقال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا، الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه – البحر المحيط 2 / 123.
[9172]:من مد وظ، وفي الأصل وم: نقص.